مجاز القرآن، المقدمة، ص : ١٤
أنواع هذه الثقافة مشاركة جيدة «١»، ومن هذا تعددت كتبه وموضوعاته فيها، ونستطيع أن نتبين فى كتبه جوانب من هذه الثقافة فهى لغوية بما فيها من تفسير وحديث وغريب، وهى تاريخية تتناول مواضيع فى تاريخ العرب وعاداتهم فى جاهليتهم «٢» أحيانا وفى إسلامهم أحيانا أخرى «٣»، وقد تتجاوز ثقافته هذه الأمة العربية إلى عادات وأخبار لغير العرب «٤».
أبو عبيدة في رأى معاصريه
على أن سعة معارف أبى عبيدة ونفاذه فيها لم تسم به إلى حيث تحول دون أن يصله النقد من معاصريه فى حياته، ومن تابعيهم بعد وفاته، وقد كانت شعوبيته- وهى الموقف الذي يتخذ فيه أبو عبيدة صفة المعادى أو المناوئ للعرب- مدخلا تسرب منه إليه الكثير من النقد الذي لم يؤاخذ به غيره فإذا ما أردنا أن نعرف بعض الأمثلة لهذا كان من ذلك أنه لا يقيم البيت من الشعر إذا أنشده حتى يكسره، وأنه كان يخطىء إذا قرأ القرآن نظرا «٥»، وأنه يلحن فى قراءة الشعر- إلى أشباه لهذا «٦».
وليس هناك شك فى أن أبا عبيدة كان يلحن حين يتحدث، فالحديث اليومي العادىّ أيام أبى عبيدة لم يكن من سلامة البنية بحيث يلتزم فيه الإعراب، وشأن أبى عبيدة
(١) البيان والتبيين ١/ ٣٠٨، مراتب النحويين ٨٠.
(٢) منتخب المقتبس ٥٨ ا. المزهر ٢/ ٤٠٢. وأنظر النقائض، العقد الفريد ٢/ ٥٣ فهرست، ٥٣/ ٥٤ جولد زيهر.. ١/ ١٩٥.
(٣) انظر كتب أبى عبيدة.
(٤) مروج الذهب ٢/ ٢٣٨ جولد زيهر.. ١/ ١٩٨ تاريخ دمشق ١/ ١٢.
(٥) المعارف لابن قتيبة ١٨٤، ابن خلكان ٢/ ١٥٥. الإرشاد ١٩/ ١٥٦. [.....]
(٦) الإرشاد ١٩/ ١٥٧، النوادر لابى زيد ٥١، الزبيدي ص ١٢٦.
مجاز القرآن، ج ١، ص : ١٢
ففيه ضمير مجازه : هذا بسم اللّه. أو بسم اللّه أول كل شىء ونحو ذلك.
ومن مجاز المكرر للتوكيد قال :«رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (١٢/ ٤)، أعاد الرؤية. وقال :«أَوْلى لَكَ فَأَوْلى » (٧٤/ ٣٤، ٣٥)، أعاد اللفظ. وقال :«فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» (٢/ ١٩٦). وقال :«تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» (١١١/ ١).
ومن مجاز المجمل استغناء عن التكرير قال :(....) (؟). «١»
و من مجاز المقدم والمؤخر قال :«فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» (٢٢/ ٥) أراد ربت واهتزت. وقال :«لَمْ يَكَدْ يَراها» (٢٤/ ٤٠) أي لم يرها ولم يكد.
ومن مجاز ما يحوّل خبره إلى شىء من سببه، ويترك خبره هو قال :«فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» (٢٦/ ٤) حوّل الخبر إلى الكناية التي فى آخر الأعناق.
ومن مجاز ما يحوّل فعل الفاعل إلى المفعول أو إلى غير المفعول قال :«ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ» (٢٨/ ٧٦) والعصبة هى التي تنوء بالمفاتح.
ومن مجاز ما وقع المعنى على المفعول وحوّل إلى الفاعل قال :«كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ» (٢/ ١٧١)، والمعنى على الشاء المنعوق به وحوّل على الراعي الذي ينعق بالشاء.
ومن مجاز المصدر الذي فى موضع الاسم أو الصفة قال :«وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
(١) قال : لعل أبا عبيدة استشهد هنا بآية أو أكثر في مجاز المجمل استغناء عن التكرير ولم ترد فى النسخ التي وصلتنا.