مجاز القرآن، المقدمة، ص : ١٦
تصانيفه :
نقل الرواة أن تصانيف أبى عبيدة كانت تقارب المائتين «١»، ولكن أغلبها لم يصل إلينا إلا عن طريق ذكره فى المصادر التي تحدثت عن أبى عبيدة فقد ذكر ابن النديم له مائة وخمسة، وورد فى كتب أخرى ما لم يذكره ابن النديم منها.
وقد كنت أعددت لائحة بكتبه مرتبة على حروف المعجم، وأشرت إلى من ذكرها ولكنى رأيت مؤخرا أنها محتاجة إلى شىء غير قليل من التثبت والدرس والمقارنة فأرجأت ذكرها لآخر الجزء الثاني.
مجاز القرآن
يذكر المؤرخون أن ابراهيم بن إسماعيل الكاتب أحد كتّاب الفضل ابن الربيع سأل أبا عبيدة عن معنى آية من القرآن فأجاب عن السؤال واعتزم أن يؤلف مجاز القرآن «٢». ومهما كان الداعي إلى تأليف هذا الكتاب فقد كان أبو عبيدة يرى أن القرآن نص عربى، وأن الذين سمعوه من الرسول ومن الصحابة لم يحتاجوا فى فهمه إلى السؤال عن معانيه لأنهم كانوا فى غنى عن السؤال ما دام القرآن جاريا على سنن العرب فى أحاديثهم ومحاوراتهم، ومادام يحمل كل خصائص الكلام العربي من زيادة وحذف وإضمار واختصار وتقديم وتأخير «٣».
ومن هنا فسر القرآن وعمدته الأولى الفقه بالعربية وأساليبها واستعمالاتها والنفاذ إلى خصائص التعبير فيها، ولما كان هذا الاتجاه لا يبعد كثيرا عن «تفسير القرآن بالرأى» وهو الأمر الذي كان يتحاشاه كثير من المعاصرين له من اللغويين المحافظين فقد تعرض مسلك أبى عبيدة هذا لكثير من النقد «٤»
(١) ابن خلكان ٢/ ١٥٦، الإرشاد ١٩/ ١٦٢.
(٢) ابن خلكان ٢/ ١٥٥، تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٤، الإرشاد ١٩/ ١٥٨.
(٣) مجاز القرآن ص ٨.
(٤) تاريخ بغداد ١٣/ ١، ٢٥٥، الإرشاد ١٩/ ١٥٩ الزبيدي ١٢٥.
مجاز القرآن، ج ١، ص : ١٤
آخرون :«بَعْدَ أُمَّةٍ» أي نسيان. وقرأ بعضهم «فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» (٨٥/ ٢٢) وقرأ آخرون «فِي لَوْحٍ [مَحْفُوظٍ]» «١» أي الهواء.
ومن مجاز الأدوات اللواتى لهن معان فى مواضع شتى، فتجىء الأداة منهن فى بعض تلك المواضع لبعض تلك المعاني، قال :«أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها» (٢/ ٢٦) معناه فما دونها، وقال :«وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» (٧٩/ ٣٠) معناه مع ذلك، وقال :«لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (٢٠/ ٧١) معناه : على جذوع النّخل، وقال :«إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» (٨٣/ ٢) معناه :
من الناس، وقال :«هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ» (٤٣/ ٥١، ٥٢) معناه : بل أنا خير.
ومن مجاز ما جاء على لفظين فأعملت فيه الأداة فى موضع، وتركت منه فى موضع، قال :«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» (٨٣/ ٣) معناه : وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم.
(١) لوح محفوظ : قال الطبري : واختلف القراء فى قراءة قوله محفوظ فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز أبو جعفر القارئ وابن كثير ومن قرأه من قراء الكوفة عاصم والأعمش وحمزة والكسائي ومن البصريين أبو عمر ومحفوظ خفضا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ، وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل فى لوح محفوظ من الزيادة فيه والنقصان منه عما أثبته اللّه فيه. وقرأ ذلك من المكيين ابن محيصن ومن المدنيين نافع محفوظ رفعا ردا على القرآن على أنه من نعته وصفته وكان معنى ذلك على قراءتهما بل هو قرآن مجيد محفوظ من الغير والتبديل فى لوح... إلخ (٣٠/ ٧٧).
واللوح بالضم بمعنى الهواء كما فى اللسان (لوح)، وقال ابن دريد : اللوح بضم اللام : الهواء بين السماء والأرض (الجمهرة ٢/ ١٩٤).