مجاز القرآن، المقدمة، ص : ١٨
و «غريب القرآن»، و«معانى القرآن» ثم «إعراب القرآن»، وكذلك صنع من جاء بعد ابن النديم. وهذا الصنيع يفهم منه أن هناك كتبا متعددة لأبى عبيدة فى هذا الموضوع، وهنا يأتى السؤال الآتي : هل ألف أبو عبيدة كتبا بهذه الأسماء؟
أو هى أسماء متعددة والمسمّى واحد هو هذا الذي بين أيدينا الآن وهو «مجاز القرآن»؟
و الذي نظنه أن ليس هناك لأبى عبيدة غير كتاب «المجاز»، وأن هذه الأسماء، أخذت من الموضوعات التي تناولها «المجاز» فهو يتكلم فى معانى القرآن، ويفسّر غريبه وفى أثناء هذا يعرض لإعرابه. ويشرح أوجه تعبيره وذلك ما عبّر عنه أبو عبيدة بمجاز القرآن فكلّ سمّى الكتاب بحسب أوضح الجوانب التي تولّى الكتاب تناولها، ولفتت نظره أكثر من غيرها. ولعل ابن النديم لم ير الكتاب، وسمع هذه الأسماء من أشخاص متعددين فذكر لأبى عبيدة فى موضوع القرآن هذه الكتب المختلفة الأسماء.
على أننا حين نذهب إلى هذا نستند إلى نصين يثبتانه فهناك عالمان من علماء الغرب الإسلامى يصرحان بالذي نظنه ففى طبقات النحويين للزبيدى :
«... سألت أبا حاتم عن غريب القرآن لأبى عبيدة الذي يقال له المجاز «١»»، وفي فهرس ابن خير الإشبيلي :«... وأول كتاب جمع فى غريب القرآن ومعانيه كتاب أبى عبيدة معمر بن المثنى وهو كتاب المجاز «٢»».
على أن نسخ «المجاز» تحمل هذا الاضطراب فى اسم الكتاب ففى نسخة إسماعيل صائب نجد العنوان :«كتاب مجاز القرآن» فى أول الجزء الأول، وفى آخره :«النصف الأخير من كتاب غريب القرآن». وفى نسخة مراد منلا يوجد عنوان الكتاب هكذا :«كتاب المجاز لتفسير غريب القرآن»، وتشبهها عبارة الختام فى نسخة تونس.
معنى «المجاز» عند أبى عبيدة
و مهما كان الأمر فإن أبا عبيدة يستعمل فى تفسيره للآيات هذه الكلمات :
«مجازه كذا»، و«تفسيره كذا»، و«معناه كذا»، و«غريبه»،
(١) ص ١٢٥. [.....]
(٢) فهرست ابن خير ص ١٣٤.
مجاز القرآن، ج ١، ص : ١٧
«إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
(٧٥/ ١٧) : أي تأليفه «فَإِذا قَرَأْناهُ»
(٧٥/ ١٨) أي إذا جمعناه ومجازه مجاز قول عمرو بن كلثوم :
هجان اللون لم تقرأ جنينا «١»
أي لم تضمّ فى رحمها، ويقال للتى لم تلد : ما قرأت سلى قطّ.
نزل القرآن بلسان عربى مبين، فمن زعم «٢» أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن «طه» (٢٠) بالنّبطيّة فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها. وقد يوافق اللفظ اللفظ ويقار به ومعناهما واحد وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. فمن ذلك الإستبرق بالعربية،
(١) والبيت هو السادس فى الجزء الثاني من ديوانه رقم ٢١- وهو فى الطبري ١/ ٣٩، القرطبي ٨/ ٢٢٤.
(٢). (٥- ٨) «فمن زعم... إلخ» : روى السيوطي فى المزهر (١/ ٦٦) هذا الكلام عنه ثم قال : ثم ذكرا أبو عبيدة :«البالغاء» وهى الأكارع، وذكر «القمنجر» الذي يصلح القمي، وذكر «الدست، والدشت والخيم والسخت»، ثم قال : وذلك كله من لغات العرب وإن وافقه فى لفظه ومعناه شىء من غير لغاتهم.
وانظر أيضا مبالغة أبى عبيدة والشافعي وغيرهما فى إنكارهم وقوع المعرب فى القرآن فى الرسالة للشافعى ٤٠- ٥٠، والمعرب للجوالقى ٤، وفتح الباري ٨/ ١٩٠. [.....]