مجاز القرآن، المقدمة، ص : ١٩
و «تقديره»، و«تأويله» على أن معانيها واحدة أو تكاد، ومعنى هذا أن كلمة «المجاز» عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن فى تعبيراته، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال من المعنى الذي حدده علماء البلاغة لكلمة «المجاز» فيما بعد «١»، ولعل ابن قتيبة قد تأثر فى كتابه «مشكل القرآن» بأبى عبيدة فى استخدام كلمة المجاز بهذا المعنى العام «٢».
منهج التفسير عند أبى عبيدة
مرت الإشارة فى مواطن متعددة من هذه الكلمة إلى جوانب من شخصية أبى عبيدة كانت تميزه عن معاصريه، وتتجه به فى فهم النصوص اتجاها خاصا، وبتلك الإشارات نستغنى عن إعادة الحديث فى حريته فى فهم النصوص، وسعة ثقافته ونظرته إلى نص القرآن إلخ. ولكننا نضيف هنا أن مما يمتاز به أبو عبيدة فى تفسيره أنه لم يتقيد بالقيود التي كانت المدرستان البصرية والكوفية تضعانها لفهم النصوص العربية، لأن هاتين المدرستين كانت فى دور التكوين، وبهذا نجا أبو عبيدة من أن يخضع لقواعدهما. وقد عنى- فى ضوء هذا التحرر- بالناحية اللغوية فى القرآن، وأكثر من الاستشهاد على الآيات بالشعر العربي، وعنايته بالجانب اللغوي صرفته عن الاشتغال بالقصص القرآنى وتفصيل القول فيه، كما صرفته عن تتبع أسباب النزول إلا عند ما كان يقتضى فهم النص التعرض لذلك.
رواية كتاب المجاز
و كان حظ المجاز من رواية الناس غير قليل فقد رواه جماعة من الناس، وليس من اليسير تحديد عدد الروايات، ولكن المراجع احتفظت بطائفة منها نجملها فيما يلى :
١- رواية أبى الحسن على بن المغيرة الأثرم (- ٢٣٢) ٢- رواية أبى حاتم السجستاني (- ٢٥٦) ٣- رواية رفيع بن سلمة.
(١) فتح الباري ٨/ ٤٢٥. عمدة القاري ٩/ ١٢٥. إرشاد الساري ٧/ ٣٠٩.
(٢) مشكل القرآن ٧ ب، ٣٥ ب. القرطين ٢/ ١٠٩، وانظر «المجاز» ص ٤١.
مجاز القرآن، ج ١، ص : ١٨
و هو الغليظ من الدّيباج، والفرند، وهو بالفارسية إستبره وكوز وهو بالعربية جوز وأشباه هذا كثير. ومن زعم أن «حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» (١٠٥/ ٤) بالفارسية فقد أعظم، من قال : إنه سنك وكل إنما السجيل الشديد.
والقرآن : اسم كتاب اللّه، لا يسمّى به غيره من الكتب، وذلك لأنه جمع وضمّ السور ومجازه من قوله :«إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
(٧٥/ ١٨)، أي تأليف بعضه إلى بعض، «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
و سمّى الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
ففى القرآن ما فى الكلام العربىّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمل من مجاز ما اختصر، ومجاز ما حذف، ومجاز ما كفّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع فى موضع الواحد إذا أشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خبر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكفّ عن خبر الآخر، ومجاز