مجاز القرآن، المقدمة، ص : ٢٥
و قد صرح ناسخ نسخة القاهرة بأنه نقلها عن نسخة تونس فهى فرع ناقص لنسخة تونس المتفرعة عن ().
وبهذا الاشتراك فى الفروق وفى البياض والأخطاء فى الكلمات وفى كتابة الآيات، وفيما أضيف من تفاسير الآيات إلى أواخر السور- قوى عندى أن نسخة مكة المكرمة تتصل بنسخة مراد منلا بوجه من الوجوه إما أنها فرع عنها حيث إنها أحدث عهدا، وإما أنهما معا صدرا عن أصل واحد لم يصل إلينا.
وهنا نتساءل عن مصدر هذه الفروق بين النسخ التي بين أيدينا من «المجاز» وللجواب عن هذا عدة احتمالات فأبو عبيدة أملى كتابه مرات، وتعدّد الإملاء من شأنه أن يدخل تعديلات مختلفة على النص بالزيادة أحيانا وبالنقص أخرى، وهى فى حالتيها تتصل بالناحية اللفظية ولا تمس المعنى أحيانا، وتتجاوزها إلى التعديل فى المعنى أحيانا أخرى هذه ناحية، ثم رواة الكتاب الذين سمعوه من المؤلف تختلف مستوياتهم العلمية فيكتبون كلّ حسب علمه وحاجته من غير التزام للنص الذي يمليه المؤلف فيختلف ما يكتبون. ثم قصدهم من هذا الكتاب الذي يسمعونه مختلف فبعضهم يقصد إلى روايته فيحرص على النص ويحافظ عليه، والبعض الآخر يقصد إلى فهم النص عن المؤلف فلا يلتزم ألفاظه، ثم- على ممر الزمن- تصبح هذه النسخ التي قصد فيها إلى المعنى نصا يسند إلى هذا المؤلّف، وهى ناحية أخرى تنشأ عنها هذه الفروق فهذا وإليه عوامل أخرى- كله مما لعله أن يكون قد أثر فى وجود هذا الخلاف المتباعد الأطراف بين نسخ «المجاز».
فهذه هى نسخ المجاز التي بين أيدينا الآن، وليس الخلاف بينها بالأمر الجديد فقد كانت منذ القديم مختلفة، وتدلنا النصوص المنقولة عنها أن الرواية التي كان يعتمد عليها القاسم بن سلام، والطبري، والجوهري، كانت تشبه نسخة ()،
مجاز القرآن، ج ١، ص : ٢٤
و قال أبو كبير الهذلىّ :
يا لهف نفسى كان جدّة خالد وبياض وجهك للتّراب الأعفر «١»
و مجاز «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» : إذا بدىء بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل لم يجز، كقولك : نعبد إياك، قال العجّاج :
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى «٢»
و لو بدأت بالفعل لم يجز كقولك : أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية فى آخر الفعل جاز الكلام : أدعوك إياك.
«الصِّراطَ» (٥) : الطريق، المنهاج الواضح، قال :
فصدّ عن نهج الصّراط القاصد «٣»
و قال جرير :
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوجّ الموارد مستقيم «٤»
(١) من كلمة فى ديوانه ١٩ بيتا ٢/ ١٠١ (القاهرة)- والطبري ١/ ٥١.
(٢) ديوانه ٤٠، الجمهرة ٣/ ١٦٣، واللسان، التاج (ملق) [.....]
(٣) الشطر فى الطبري ١/ ٥٦ والقرطبي ١/ ١٢٨.
(٤) ديوانه ٥٠٧- والطبري ١/ ٥٦ والجمهرة ٢/ ٣٣٠ واللسان (سرط) والقرطبي ١/ ١٢٨.