ج ١، ص : ٢١٩
سبب النزول :
روى أنهم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أى دين أنت ؟ فقال : على ملة إبراهيم - عليه السلام - قالوا : إن إبراهيم كان يهوديا، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : إن بيننا وبينكم التوراة فهلموا إليها، فأبوا،
وقيل : نزلت في حكم الزنى، وقد اختلفوا لما زنى بعض أشرافهم واحتكموا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فحكّم التوراة فأبوا، وقيل اختلف أحبارهم لما أسلم البعض وظل البعض على دينه واحتكموا إلى التوراة ثم أعرض من لم يسلم منهم، والوقائع تؤيد ذلك كله.
المعنى :
انظر يا محمد واعجب من هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من التوراة والباقي قد حرف وغيّر وضاع، وقد بقي الجزء الذي فيه بشارة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وتعجب من عدم إيمانهم بك مع وضوح الدلالة وإعراضهم عن الكتاب الذي يؤمنون به، أو يعرضون عن القرآن، فهم إذا اختلفوا وحكموا التوراة في الخلاف وعلموا أن الحكم فيها على خلاف أهوائهم أعرضوا وتولوا بعد تردد.
وفي التعبير ب ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ إشارة إلى أنهم كانوا يترددون في قبول الحكم ثم يعرضون، وإلى بعد ما بين دعوتهم إلى كتاب اللّه وإعراضهم عنه وقوله تعالى : وَهُمْ مُعْرِضُونَ إشارة إلى دوام إعراضهم، وأنه ديدن لهم وطبيعة فيهم، وفي قوله : فَرِيقٌ مِنْهُمْ إشارة إلى أن منهم أمة يهدون بالحق وبه يهتدون كعبد اللّه بن سلام وغيره، وما شجعهم على هذا العناد والجحود إلا اعتقادهم الباطل أنهم لا تصيبهم النار إلا أياما قليلة، فاليهودى يعتقد أنه مهما فعل لا يدخل النار إلا أياما وبعدها يدخل الجنة، وغرهم ما كانوا يختلقونه في الدين كقولهم : إن الأنبياء ستشفع لنا ونحن أولاد الأنبياء وشعب اللّه المختار، ولقد رد اللّه عليهم فريتهم في غير موضع من القرآن.
فكيف بهم وعلى أى شكل يكونون إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ؟ يوم تنقطع فيه الأنساب ولا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم توضع فيه الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا وتوفى كل نفس ما كسبت من خير أو شر وهم لا يظلمون.


الصفحة التالية
Icon