ج ١، ص : ٤٩٢
قومهم بما رأوا. وكان موسى قد أمرهم ألا يخبروا أحدا بما يرون فنقضوا العهد إلا نقيبين منهم
وهما اللذان قال فيهم القرآن : قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ وسيأتي خبرهما بعد في الآية ٢٣.
المعنى :
ولقد أخذ اللّه العهود والمواثيق على بنى إسرائيل بواسطة نبيهم موسى ليعملن بالتوراة وليقبلنها بجد ونشاط خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [سورة البقرة الآيات ٦٣ و٩٣] ولا يزال هذا العهد موجودا في التوراة، وأمرناه أن يختار اثنى عشر نقيبا منهم، يتولون أمور الأسباط، ويقومون على رعايتهم، وبعثناهم يتحسّسون العدو ليقاتلوه، وقال اللّه على لسان موسى : إنى معكم وناصركم على عدوكم ومطلع عليكم ومجازيكم على أعمالكم.
ثم أعطاهم العهد الموثق : لئن أقمتم الصلاة وأديتموها تامة كاملة الأركان مستوفية الشروط، وأنفقتم بعض المال الذي به تزكو نفوسكم وتطهر. وآمنتم برسلي التي سترسل لكم بعد موسى - عليه السلام - كداود وسليمان ويحيى وزكريا وعيسى ومحمد - عليهم الصلاة والسلام - ونصرتموهم، ومنعتموهم من الأعداء، ووقفتم إلى جانبهم في السراء والضراء، وأقرضتم اللّه قرضا حسنا طيبة به نفوسكم، مع أنكم تقرضون ربّا له خزائن السموات والأرض قادرا كريما، يضاعف الحسنة إلى عشرة أمثالها بل إلى سبعمائة.
تاللّه إنكم إن فعلتم هذا (إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل ونصرتهم والقرض الحسن) لأكفرن عنكم سيئاتكم، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وأنتم بذلك تستحقون الرضوان ودخول الجنات التي تجرى من تحتها الأنهار، ومن يكفر بعد ذلك منكم، وينقض الميثاق فقد ضل السبيل الواضح وأخطأ الطريق المستقيم الذي رسمه اللّه لعباده الأبرار.
وهؤلاء اليهود - كما وصفهم القرآن غير مرة - دأبهم العناد، وديدنهم الكفر والعصيان، وجزاؤهم الطرد والحرمان، فبنقضهم الميثاق، وكفرهم باللّه ورسله وعدم نصرتهم لهم وعدم تعظيمهم وتوقيرهم، استحقوا المقت والغضب واللعن والطرد من


الصفحة التالية
Icon