ج ١، ص : ٦٧٨
المعنى :
بعد أن ألزمهم بالحجة، أخبر اللّه عنهم أنهم سيتمسكون بحجة أوهى من بيت العنكبوت، فقال : سيقولون... ولما قالوا بالفعل حكى عنهم في آية أخرى : وقالوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا.
لو شاء اللّه ألا نشرك نحن ولا آباؤنا من قبل وألا نحرم شيئا من البحيرة والسائبة والحام، لما أشركنا ولما أشرك آباؤنا من قبل، ولما حرموا شيئا، ولكن شاء أن نشرك به غيره من الأولياء والشفعاء ليقربونا إلى اللّه زلفى، بدليل وقوعه بالفعل، وكذلك تحريمنا بعض الأنعام والحرث، واللّه عالم بكل ما يحصل، قادر على تغييره بما يشاء وإتياننا إياها دليل على مشيئته تعالى، وعلى رضاه وأمره بها : وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. [سورة النحل آية ٣٥].
مثل ذلك التكذيب الذي صدر من المشركين العرب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما جاء به من الوحدانية للّه، وقصر التشريع عليه - سبحانه وتعالى - كذب الذين من قبلهم رسلهم تكذيبا غير مبنى على حجة من العلم والعقل، إذ لو كانت مشيئة اللّه - تعالى - معناها رضاه عن عملهم، لما عاقبهم على أعمالهم حتى ذاقوا بأسه، وقال فيهم : أخذناهم بذنوبهم.
قل : هل عندكم من علم وحجة تحتجون بها وتعتمدون عليها، فتخرجوها لنا حتى تقرع الحجة بالحجة، وحتى يعرف الراجح بدليله وحجته من غيره الذي لم يعتمد على حجة وبرهان ؟ الواقع أنكم ما تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، فلا يقين معكم ولا حجة عندكم، إن أنتم إلا تخرصون وتكذبون، قل لهم يا محمد : فللّه الحجة البالغة، بما بيّن من الآيات، وأيد الرسل بالمعجزات، وألزم أمره كل مكلف، فأما إرادته وعلمه وكلامه فغيب لم يطلع عليه أحد.
ألم تر أن العبد لو أراد أن يفعل الخير لفعل، ولا مانع يمنعه، مع العلم بأن هناك لافتات بالخط الواضح العريض كتب عليها :« يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر