ج ١، ص : ٨٦١
وهم بدءوكم بالقتال أولا، وقد قيل : الشر بالشر والبادئ أظلم، وقد كان منهم كل ذلك إذ نقضت قريش العهد وأعانت بنى بكر على خزاعة، وقتلوا منهم كثيرا حتى استنجدوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد أخرجوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من بلدة مكة وأخرجوا غيره من المهاجرين، وبدءوا بالقتال يوم بدر.
ثم قال هذه الحجج : أتخشونهم ؟ وتتركون قتالهم خشية وخوفا إن كانت الخشية هي المانعة فاللّه أحق بها إن كنتم مؤمنين، إذ شرط الإيمان الخوف من اللّه وحده وخشيته دون سواه.
وهذا الاستفهام يفيد الإنكار والتوبيخ ولكن للمنافقين ولمن كانوا يعظمون أمر القتال ويرون أنه لا يليق برحمة الإسلام وعطفه على الناس.. ثم بعد هذا البيان الكامل أمرهم بالقتال فقال : قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم، فاللّه هو الفاعل حقيقة وأنتم باشرتم العمل في الظاهر وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى إن تقاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم، ويخزهم بالقتل والأسر والهزيمة، وينصركم عليهم نصرا مؤزرا ما دمتم تنصرون اللّه بطاعته، ويشف صدور قوم مؤمنين كانت قد ملئت غيظا وألما من أفعال المشركين بهم في مكة، وقيل : هم خزاعة شفى اللّه صدرها بحرب المسلمين لقريش وأحلافهم، ويذهب غيظ قلوبهم بما كابدوا من المكاره والمكايد.
ولقد أنجز اللّه وعده، وصدق عبده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده، وهذا تحريض للقتال بأسلوب بليغ مع تبليغ أن النصر للمسلمين.
ويتوب اللّه بعد ذلك على من يشاء من عباده حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة، ولا غرابة فاللّه عليم بخلقه لا تخفى عليه خافية، حكيم لا يفعل إلا ما فيه الخير والحكمة لعباده...
اختيار المسلمين وتمحيصهم [سورة التوبة (٩) : آية ١٦]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦)