ج ٢، ص : ١٠١
المعنى :
ألا إن المشركين حين يسمعون الدعوة إلى اللّه، وما يقوم به الرسل من البشارة والإنذار يثنون صدورهم، ويعرضون عنه ويستدبرون الرسول عند تلاوة القرآن حتى لا يراهم أحد وقد ظهرت عليهم علامات الحقد والحسد والكراهية عند وقوع القوارع والحجج التي هي كالصواعق عليهم أو أشد.
ألا حين يستغشون ثيابهم، ويغطون بها أجسادهم، حين يخلون وأنفسهم فتظهر على حقيقتها، والمراد أنهم لجهلهم يظنون خطأ أنهم لو يثنون صدورهم، ويلتحفون بأثوابهم لا يراهم اللّه يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ
ألا فالله يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يسرون وما يعلنون، وهو العليم بذات الصدور.
وقد أوجب اللّه على نفسه بمقتضى رحمته وكرمه، وقدرته وعلمه. أوجب على نفسه أنه ما من دابة من أنواع الدواب توجد على ظهر الأرض أو في جوف البحر، أو بين طيات الصخر. أو تطير في الجو، إلا على اللّه رزقها وغذاؤها المناسب لها، هدى كل دابة إلى ذلك بمقتضى الغريزة والطبيعة الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [سورة طه آية ٥] لكل دابة رزقها المهيأ لها الواصل إليها بعد البحث والعمل.
وهو - سبحانه - يعلم مكان استقرارها، ومكان استيداعها فهو يعلم مستقرها في الأصلاب أو الأرحام، ويعلم مستودعها في الأرحام أو بطن الأرض، كل ذلك من رزق واستقرار وتغيير واستيداع ثابت مرقوم في كتاب ظاهر معلوم كتب اللّه فيه قضاءه وقدره ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ [سورة الأنعام آية ٣٨].
وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، يومان لخلق الأرض، ويومان لخلق أقوات الخلق وما يتبعه، ويومان لخلق السموات السبع كما هو مفصل في سورة فصلت من « الحواميم » الآيتان ٩ و١٠.
والأيام هنا المراد بها : الأوقات التي لا يعلم تحديدها إلا اللّه - سبحانه وتعالى - خلق السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام، وكان عرشه على الماء أى : وكان عرشه قبل السموات والأرض على الماء، وهل المراد بعرشه تصريفه وملكه أو هو شيء مادى آخر ؟ اللّه أعلم بكتابه مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [سورة آل عمران آية ٧].