ج ٢، ص : ٢٩٣
ولقد آتيناك وأنزلنا عليك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، وهذا شرف كبير. وفضل عظيم، وجاه عريض، ومن يعطى هذا لا يطمح ببصره طموح راغب إلى ما متعنا به أزواجا من الكفار وأصنافا منهم، وكيف يطمع في عرض زائل، وحطام فان وقد أعطى القرآن العظيم ؟ ! روى عن أبى بكر - رضى اللّه عنه -. من أوتى القرآن فرأى أن أحدا أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى فقد صغر عظيما، وعظم صغيرا، وروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم « ليس منّا من لّم يتغنّ بالقرآن »
أى : يستغنى به.
وهذا توجيه سام وأدب عال من اللّه - سبحانه - لعباده المؤمنين، وتربية لنفوسهم بعيدة الأثر، فليس أضر على الإنسان من طموحه إلى من هو فوقه في الدنيا وعرضها بل انظر إلى من دونك تسترح فإذا أعطيت مع هذا القرآن فكفى به شرفا، وليست الآية تدعو إلى عدم العمل. كلا فليس في ديننا رهبانية ولا كسل بل هو دين العمل والقصد الحسن، وفي الآية إشارة إلى ما في القرآن من الخير والفلاح، وأنه لا يغرنا تقلب الذين كفروا في البلاد بل هو متاع قليل ومأواهم جهنم وبئس المصير.
ولا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا، ويقول القرطبي : ولا تحزن على ما تمتعوا به في الدنيا فلك في الآخرة أفضل منه.
واخفض جناحك للمؤمنين، نعم وألن جانبك لهم، وتواضع معهم، فلو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر يا سبحان اللّه هذه تعاليم إلهية تلقى للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم الذي شهد له القرآن بأنه على خلق عظيم ليعمل بها كل رئيس أراد أن تلتف حوله قلوب جماعته، فلينظر حكامنا وقادتنا إلى تعاليم القرآن.
وقل لهم : إنى أنا النذير المبين فقط، فليس لي من الأمر شيء وإنما علىّ البلاغ والتبشير والإنذار، وعلى اللّه كل شيء بعد هذا.
ولقد آتيناك ونزلنا عليك القرآن مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين، نعم أهل الكتاب اقتسموا القرآن فجعلوا بعضه حقا لأنه موافق لهواهم، وبعضه باطلا لأنه مخالف لهواهم! وقال بعضهم هذه السورة لي، وقال الآخر وهذه السورة لي، ترى أنهم اقتسموا القرآن وجعلوه فرقا، ويجوز أن يراد بالقرآن


الصفحة التالية
Icon