ج ٢، ص : ٣٥٥
ولتعلن وتتجاوزن حدود الشرع والعقل بالبغي والظلم والتعالي على الناس والكبر.
فإذا جاء وعد أولاهما، وحان وقت العقاب الموعود به في الدنيا على المرة الأولى بعثنا عليكم عبادا من عبيدنا أولى بأس وقوة، أصحاب عدة في الحروب وعدد، وهؤلاء القوم الذين أغاروا عليكم قد جاسوا خلال الديار، وفتشوا البلاد، ونقبوا عليكم ليستأصلوكم بالقتل والتشريد، وهكذا كل أمة تفسد في الأرض بالبغي والظلم، حتى تفسد نفوس أبنائها وتطغى لا بد من أن يرسل اللّه عليها من يذلها ويذيقها سوء العذاب جزاء فسادها، ولو كان المؤدب لها من الكفار المشركين وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، وهذا قضاء محتوم، وسنة لا تتخلف، ووعد محقق، وكان وعد ربك مفعولا حتما.
هذا الدرس القاسي الذي تلقاه بنزول إسرائيل على يد المغير، قيل : هو بختنصر وقيل : هو جالوت، وقيل : جند من بابل أو فارس، واللّه أعلم بذلك، وليس القرآن كتاب تاريخ حتى تلزمه ببيان الشخص أو الجماعة بالضبط مع تحديد المكان والزمان، ولكن القرآن جاء للعبرة والعظة، والنظرة العليا التي هي أسمى من هذا وذاك، لعل الناس يعتبرون بالحوادث.
هذا الدرس القاسي الذي تلقوه أثمر معهم فثابوا لرشدهم، ورجعوا عن غيهم وتمسكوا بكتابهم ودينهم فكانت النتيجة كما قال اللّه.
ثم رددنا لكم يا بني إسرائيل الكرة عليهم، وأعدنا لكم الدولة والغلبة عليهم وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أو أمدكم اللّه بالأموال والبنين وأمدكم بالسلاح والرجال المخلصين وجعلكم أكثر نفيرا مما كنتم عليه، وهكذا سنة اللّه ولن تجد لسنة اللّه تبديلا.
إن أحسنتم العمل أحسنتم لأنفسكم لأن نتيجة العمل وثوابه لكم، وإن أسأتم العمل بالفساد والبغي فلأنفسكم فقط، كل نفس بما كسبت رهينة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فإذا جاء وعد المرة الآخرة، وحان موعد العقاب فيها بعثنا عليكم رجالا ليذيقوكم سوء العذاب وليجزوكم بالقتل والسبي حزنا تظهر علاماته في وجوهكم، وليدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه في أول مرة للتخريب والتدمير وإحراق التوراة، وهتك المقدسات عندكم، وليهلكوا ما علوه وغلبوكم عليه من الأرض والزروع والثمار هلاكا شديدا.