ج ٢، ص : ٤٢٨
لما سأل اليهود النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن قصة أصحاب الكهف، وقالوا لقريش : إن أخبركم بها فهو نبي مرسل وإلا فلا. ذكر صلّى اللّه عليه وسلّم قصة موسى والخضر تنبيها على أن النبي لا يلزمه أن يكون عالما بجميع القصص والأخبار، وقد يؤخر الفاضل عن المفضول وهذه القصة رويت في أحاديث كثيرة، وأتمها وأكملها ما روى عن ابن عباس عن طريق سعيد بن جبير، وهي ثابتة في الصحيحين.
قال ابن عباس ما معناه : حدثنا أبى بن كعب أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : إن موسى قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل : أى الناس أعلم ؟ فقال أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى اللّه إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى يا رب فكيف لي به قال : تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو هناك، فأخذ حوتا فجعله في مكتل. ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع ابن نون حتى أتيا صخرة، ووضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت وسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، فصار المار عليه مثل الطلق وكأنه دخل في كوة الحائط.
فلما استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد، قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا وتعبا فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة بالأمس فإنى نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ طريقه في البحر اتخاذا أثار عجب الناس. نعم كان للحوت في البحر سرب، ولموسى وفتاه عجب ومراد فتى موسى بقوله (أ رأيت ؟ ) تعجب موسى - عليه السلام - مما اعتراه هناك من النسيان.
فقال موسى : ذلك ما كنا نبغى ونطلب، وهذا طلبنا، فارتدا على آثارهما قاصين الأثر متتبعين سيرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى.
فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام ؟
قال موسى : أنا موسى. قال : موسى نبي إسرائيل ؟ قال : نعم. قال : أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا. قال : إنك لن تستطيع معى صبرا إذ كيف تصبر على شيء يخالف ظاهره شريعتك. قال موسى : ستجدني إن شاء اللّه صابرا غير عاص لك أمرا.
فقال له الخضر : فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شيء وعن سره حتى أحدث لك منه كرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم