ج ٢، ص : ٤٨
يكف عن تسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم، وقد غاظهم ذلك كله، وفيهم حب المغالبة وشهوة السبق فماذا يعملون ؟ ! ؟
قالوا : يا محمد ائتنا بقرآن غير هذا ليس فيه ذمنا وذم آلهتنا، أو بدل هذا القرآن أى : وعده ووعيده وحلاله وحرامه، وذمه ومدحه. إن فعلت ذلك فنحن معك يقصدون إن فعل محمد ذلك فقد هدم أساس دعوته، وقوض صرح حجته إذ هو يدعى أنه من عند اللّه لا من عنده فإذا غير فيه وبدل ثبت أن القرآن من عنده وهو بشر مثلهم أعطى قوة خارقة للعادة كالسحرة والكهان، ولكن اللّه أمره أن يجيب بهذا الجواب المسكت.
قل لهم : ما يكون لي وما يصح منى أن أبدله أبدا من تلقاء نفسي!! إذ ما أنا إلا رسول، وما هو إلا وحى يوحى، ولا أتبع إلا ما يوحى إلى من عند ربي، على أنى أخاف إن عصيت ربي بالتبديل في كلامه عذاب يوم عظيم هوله شديد وقعه على.
وفي الإجابة على الإتيان بقرآن غير هذا أمره اللّه بما يأتى :
قل لهم : لو شاء اللّه ما تلوته عليكم أبدا، ولا أعلمكم به فالمسألة ترجع إلى مشيئة اللّه لا مشيئتى، وما شاء اللّه كان، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه ومالكم تذهبون بعيدا ؟ فقد لبثت فيكم عمرا من قبل هذا القرآن [أربعين سنة] لم أجلس إلى معلم، ولم أقرأ كتابا، ولم أدرس في جامعة وأنا أمى في وسط أمى، لم أقل كلاما مثله في هذا الزمن الطويل (قبل النبوة) فهل يعقل أن يكون هذا كلامي. يا قومي أغفلتم عن هذا كله فلا تعقلون ؟ !! ولا أحد أظلم من رجلين : أحدهما : افترى على اللّه كذبا، والثاني : كذب بآياته البينة، ولا غرابة في هذا الحكم إنه لا يفلح الظالمون أبدا.
كانت العرب في جاهليتهم ذات أديان مختلفة، ومذاهب في العبادة متشعبة إلا أنها كلها تجتمع في الإشراك وعدم الوحدانية الخالصة لله - سبحانه - كان منهم من تهود