ج ٢، ص : ٤٩
كبعض قبائل اليمن، ودخل آخرون في النصرانية كالغساسنة والتغلبيين، وكان بنجران بقايا من أهل دين عيسى - عليه السلام - وتهود قوم من الأوس والخزرج لمجاورتهم خيبر وقريظة والنضير، ومنهم من كان يميل إلى الصابئة، ويقول : مطرنا بنوء كذا، ومن أنكر الخالق والبعث وقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا، وما يهلكنا إلا الدهر، ومنهم قوم - ويظهر أنهم الأكثرية - اعترفوا بالخالق وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ « ١ » وأنكروا البعث، وعبدوا الأصنام وهي لا تنفع ولا تضر إذ هي حجارة أو أجسام مصنوعة، وقالوا : ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى « ٢ ». وعبادتهم كانت بتقديسهم لها والذبح عندها، واختصاصها بأنواع من الحيوان فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ [سورة الأنعام آية ١٣٦].
وكانوا يعبدون الأصنام بتعظيم هياكلها، والإهلال عند الذبح لها، وبدعائها والاستعانة بها قائلين : هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه يقربوننا إليه زلفى، روى أن النضر بن الحارث قال : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى.
قل لهم : منكرا عليهم ذلك أتخبرون اللّه بما لا يعلم في السموات والأرض ؟ ونفى العلم دليل على عدم وجود هؤلاء الشفعاء والشركاء للّه - سبحانه وتعالى - عما يشركون!!
هكذا فطر اللّه الناس [سورة يونس (١٠) : آية ١٩]
وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
المعنى :
وما كان الناس في كل زمن إلا أمة واحدة تسير على هدى الفطرة وتأتيهم
(١) سورة الزخرف آية ٩.
(٢) سورة الزمر آية ٣.