ج ٢، ص : ٥٢١
لما حكى اللّه - سبحانه - عنهم تلك الاعتراضات الواهية، ورد عليهم أبلغ رد وأكده مبينا أنه أنزل لهم كتابا فيه ذكرهم وشرفهم وسعادتهم، وهو المعجزة الباقية.
بالغ في زجرهم وتهديدهم بضرب الأمثال وذكر مظاهر القدرة القادرة.
المعنى :
وكثيرا من القرى قصمناها وأهلكنا أهلها، لأنها كانت ظالمة لنفسها بالكفر وارتكاب الإثم، وأنشأنا بعدها قوما آخرين.
روى أن المراد أهل قرية مخصوصة كانت باليمن تسمى (حضور)، وكان لهم نبي فقتلوه فانتقم اللّه منهم، ولما رأوا أمارة العذاب خرجوا هاربين، فقالت لهم الملائكة استهزاء بهم : لا تركضوا وارجعوا فرجعوا وقتلوا. فلما رأوا القتل قالوا يا ويلنا : إنا كنا ظالمين، ولكن هيهات أن ينفع الندم..!!
فلما أحسوا بأسنا، ورأوا عذابنا الشديد إذا هم يهربون ويفرون مسرعين يركضون دوابهم ويستحثونها، عندئذ. قيل لهم من الملائكة : لا تركضوا، وارجعوا إلى نعمكم التي أبطرتكم وحملتكم على الظلم والكفر والغرور لعلكم تسألون، من الذي أنزل بكم هذا ؟ ! أو تسألون لما ذا كان هذا العذاب ؟ ! لما قالت لهم الملائكة : لا تركضوا، وارجعوا إلى مساكنكم ونعمكم، ونزل بهم العذاب من كل جانب كانوا يسمعون مناديا يقول : يا لثارات الأنبياء!! قالوا حينذاك : يا ولينا ويا هلاكنا. إنا كنا ظالمين! فما زالت تلك دعواهم، وما زالوا يرددون تلك المقالة حتى جعلهم ربك كالزرع المحصود بالمنجل، خامدين ميتين لا حركة بهم، كالنار إذا انطفأ لهيبها وأصبحت خامدة لا حياة فيها.
هذا هو الحكم العدل، والقول الفصل، ما يفعل اللّه بهم هذا إلا بسبب ظلمهم وكفرهم، وها هي ذي آيات عدل اللّه، ناطقة شاهدة.
وما خلق السماء المرفوعة، والأرض الموضوعة، وما بينهما من عجائب الخلق للّهو واللعب كما يفعل بعض الخلق في دنياه، ولكنها آيات شاهدة على حكمة الحكيم، وقدرة القادر العليم، وعدل الحق - سبحانه وتعالى -، وكانت ميادين للتفكير السليم، والنظر