ج ٢، ص : ٦٠٩
عبادة، والعبادة خير، ثم علل ذلك الأمر بقوله : لعلكم تفلحون، أى : رجاء الفلاح والفوز، ولقد صدق رسول اللّه حيث يقول :« لن يدخل أحد مّنكم الجنّة بعمله ».
وجاهدوا في اللّه أى : في دين اللّه أو ذات اللّه أو لأجل اللّه حق جهاده أى : جهادا حقا خالصا لوجه اللّه، ومن نجاهد ؟ إنا أمرنا بجهاد أنفسنا، وجهاد عدونا، وجهاد قرناء السوء، والجهاد في مجتمعنا لرده إلى الجادة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
« رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » قاله رسول اللّه
وهو راجع من غزوة وها هو ذا القرآن الكريم يذكر المرغبات في الامتثال، وموجبات هذه الأوامر لنعمل راغبين راجين الثواب من اللّه.
هو اجتباكم واختاركم حيث كلفكم وأمركم، ولعل في التكليف مشقة قد تكون شديدة، ولكن اللّه يتبع ذلك بقوله : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، بل كله سهولة، وقد قال رسول اللّه :« إنّ الدّين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلّا غلبه الدّين »
ويقول اللّه : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها « ١ » ويقول الرسول. « إنّ اللّه يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه ».
فلم يحتم عليك استعمال الماء، وقال « فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ».
وجعل التيمم للمريض، وللمسافر، ولمن فقد الماء وما حتم علينا الصيام في السفر ولا في المرض بل أباحه وحث على الفطر، وما حتم علينا القيام في الصلاة بل جعله فرضا على القادر أما غير القادر فقد أباح له الصلاة وهو جالس أو نائم، وقد أثبتت الأيام أنه ليس في نظم الإسلام مشقة ولا حرج أبدا.
وعلى العموم : ففي الدين رخص كثيرة وقد استعملها الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم تخفيفا على أمته وتحقيقا لقول اللّه وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل هذا أى : في الكتب السابقة وفي هذا أى : في القرآن، وحيث كانت ملة إبراهيم - عليه السلام - هي كملة المصطفى في الأصول العامة فهذا داع من دواعي الامتثال والذي سماكم المسلمين هو أبوكم إبراهيم أو اللّه - سبحانه وتعالى - ليظهر التعليل في قوله : ليكون الرسول شهيدا عليكم، وتكونوا شهداء على الناس وأنبيائهم يوم القيامة فقد ورد أن الأنبياء تستشهد

_
(١) سورة البقرة الآية ٢٨٦.


الصفحة التالية
Icon