ج ٢، ص : ٦٦١
لبعض شأنها بعيدا عن الجيش ثم عادت وتفقدت عقدا لها فلم تجده، فعادت إلى مكانها في الخلا. تبحث عنه، وفي هذه الأثناء رحل القوم، وأتى الرجال إلى هودجها فحملوه، وكانت فتاة صغيرة قليلة اللحم فلم يشعروا بفقدها وعند ما عادت، لم تجد أحدا فنامت في مكانها وكان من عادة الجيش أن رجلا يتخلف ليأخذ ما ترك سهوا وكان هو صفوان بن المعطل السلمى، فلما أدركها عرفها، فأخذ يسترجع بعد أن أناخ راحلته بجوارها. فاستيقظت، وركبت وقاد هو الراحلة، وكانت آية الحجاب نزلت فلم يرها، وأدرك القوم في المنزل الثاني ومر على قوم من الجيش فيهم عبد اللّه ابن أبى ابن سلول زعيم المنافقين فسأل عنها فقيل : إنها عائشة فقال كلمة الإفك وفتن بكلامه نفر من المؤمنين، وبخاصة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش.
وكان صفوان هذا من خيار الصحابة، وشهد غزوات الرسول، وقتل شهيدا في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في زمن عمر - رضي اللّه عنهم جميعا -.
وعقب رجوع الجيش من السفر مرضت عائشة شهرا في منزل الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ولم تدر ما يقول الأفاكون، وهي تحدث نفسها وتقول : ما رابنى من رسول اللّه سوى أنى لم أر منه اللطف الذي اعتدته منه إذا كنت أشتكى، فكان يدخل ويسلم، ويقول :
كيف تيكم (و تى إشارة إلى المؤنث) ثم ينصرف، فلما برئت عرفت ما قيل فمرضت ثانية بأشد من المرة الأولى، فلما عادها رسول اللّه استأذنت منه في الانصراف إلى بيت أبيها فأذن لها، فأتت أمها، فاستيقنتها الخبر فقالت أمها : يا بنيّة هوّنى عليك فقلما كانت امرأة وضيئة ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقالت عائشة : سبحان اللّه!! ولقد تحدث الناس بهذا!! وملكها البكاء ليلتها لا يرقأ لها دمع، ولا ترى النوم.
ولما شاع الخبر وذاع، قام النبي صلّى اللّه عليه وسلم في المسجد خطيبا، وقال : يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ ! يريد بذلك عبد اللّه ابن أبى بن سلول. فو اللّه ما علمت على أهلى إلا خيرا.
وروى أنه دخل عليها صلّى اللّه عليه وسلم فقال. يا عائشة، قد بلغني عنك كذا، وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك اللّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللّه وتوبي إليه!! قالت عائشة : فلما قضى النبي مقالته تقلص دمعي من شدة الحزن والألم، ثم قالت لأبيها :


الصفحة التالية
Icon