ج ٢، ص : ٧٥١
إلى ذنبه ذنبا آخر هو ترك عبادة الآلهة إلى ديانة غير معروفة وعبادة غير مألوفة، ولذا يرد موسى - عليه السلام - بقوله : أما قتل القبطي فقد فعلت فعلتى هذه، وأنا من الضالين الجاهلين الذين لم يعرفوا الحق فيتبعوه، فليس على فيما فعلته توبيخ، وقد خرجت من دياركم، وفررت منكم لما خفتكم، فوهب لي ربي من عنده حكما وعلما، وجعلني من الأنبياء، والمرسلين، فليس هذا موضع غرابة وتعجب وإنكار منكم على، وتلك نعمة تمنها على، وهي تربيتي في بيتك ؟ وقد استعبدت بنى إسرائيل قومي، والمعنى ما كان لك أن تمن على بأن ربيتني في بيتك، في حال إنك عذبت بنى إسرائيل وأذقتهم سوء العذاب.
محاجة موسى لفرعون في شأن ربه : لما ألحّ موسى في طلب إخراج بنى إسرائيل من مصر إلى فلسطين، وطلب من فرعون وملئه أن يعبدوا ربهم الذي خلقهم، ولم يجد معه التلطف والتذكير بالنعم وخلق هذا العالم قال له فرعون : وما رب العالمين ؟
قال موسى : هو رب السموات والأرض وما بينهما، خلق ذلك وابتدعه على أحسن صورة وأكمل نظام، إن كنتم موفقين فاعلموا ذلك، فالتفت فرعون إلى من حوله من ملئه مظهرا العجب قائلا. ألا تسمعون لهذا التخريف، واستمر موسى في كلامه قائلا : هو ربكم ورب آبائكم الأولين، لفت نظرهم إلى شيء هام، وهو أن الرب الحقيقي الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين، فأنتم محدثون. كنتم بعد العدم، وآباؤكم ذهبوا وماتوا بعد أن كانوا موجودين، وفرعون أمره كذلك كان بعد العدم، وسيفنى بعد الوجود، وأما الإله فهو الباقي بعد فناء خلقه، القديم الذي لا أول لوجوده...
فما كان من فرعون إلا أن قال لقومه : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون لأنه جاءنا بشيء لا نعرفه.
وأما موسى فقال : هو اللّه رب المشرق والمغرب، ورب الكون كله وصاحب الأمر فيه جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وتنزه عن الشبيه والولد والوالد، فهو الإله الحق، لا ما أنتم فيه، إن كنتم تعقلون.
وفي سورة (طه) تتميم لهذا الموقف إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) إلى آخر الآيات.