ج ٢، ص : ٨٣١
ولقد جاءهم موسى بالآيات الشاهدة على صدقه، الدالة على أنه رسول رب العالمين ولكنهم قالوا له : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر قد افتريته من عندك ونسبته لربك وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه، في آبائنا الأولين، حاجهم موسى بالعقل والمنطق، وساق لهم الآيات الشاهدة مصدقة، فكان الجواب والرد الذي يدل على الحماقة ما هذا إلا سحر، وما سمعنا به قديما، وما سمعنا عن دعوتك في آبائنا الأولين.
وقال موسى ردا عليهم : ربي الذي خلق كل شيء، ويعلم الغيب في السموات والأرض أعلم منكم بمن جاء بالهدى والنور من عنده، وهو أعلم بمن تكون له العاقبة الحسنى، والجزاء الأوفى يوم القيامة، ولا يفلح عنده الظالمون أبدا في الدنيا والآخرة.
ولو كنت كما تزعمون كاذبا ساحرا مفتريا على اللّه لما أعطانى الآيات، ولما هداني إلى الحق والخير الذي أدعو إليه لأنه غنى حكيم، لا يرسل الكاذبين، ولا الساحرين ولا يفلح عنده الظالمون، وهو القاهر فوق عباده، الخبير بخلقه، لا تخفى عليه خافية وهذا تهديد لهم، وتثبيت لغيرهم.
ولما ألح موسى على فرعون بالدعوة إلى الإيمان باللّه، وهو في ملأ من قومه، وهذا يحط من شأنه، ويضيع من هيبته، وهو حريص على ذلك جدا، أخذ يقول تارة :
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ « ١ »، ويقول مرة أخرى : إنه سيتخذ الوسيلة للصعود إلى إله موسى ليصفى الحساب معه، ولعله فهم من قول موسى. رب السماء والأرض أنه يجلس في السماء لا في الأرض.
انظر إليه يخاطب القوم، ويقول : يا أيها الملأ - الأشراف ووجوه القوم ما علمت لكم من إله غيرى، يقصد بذلك نفى وجود إليه غيره.
وإذا كان يعتقد أنه هو الإله، ولا إله غيره أبدا فكيف يقول : يا هامان ابن لي صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى، وإنى لأظنه من الكاذبين ؟ ! ولعله يقول ذلك من باب التسليم للخصم.
ومن الناس من يدعى رأيا ويقول به، وهو عالم أنه مخطئ فيه، ولكن لأن رأيه على غير أساس، لا يلبث أن يشك فيه ويرجع عنه طمعا، في أنه ربما يصادف شيئا.
(١) سورة الشعراء الآية ٢٧.