ج ٢، ص : ٨٥٦
الأمة، فإذا تكلم القرآن على نفسه في أول السورة وجب أن يقدم التنبيه الذي يوقظ النفوس، ويحرك المشاعر.
ولعل بدء السورة التي ليس في أولها ذكر للكتاب كما هنا وفي سورة الروم، ومريم بحروف ليست لها معاني معروفة لخطر ما بدئت به وأهميته حتى احتاجت إلى هذا التنبيه، ولا عجب ففتنة المسلم كما هنا، وذكر زكريا ويحيى وعيسى كما في سورة مريم والإخبار بالمغيبات في سورة الروم غاية الأهمية ولقد سبق أن تكلمت في هذا الموضوع، وهو موضوع شائك ولعل سلوى الجميع فيه وفي أمثاله قوله تعالى : مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [سورة آل عمران آية ٧].
المعنى :
ألم. أظن الناس أن يتركوا لأنهم قالوا آمنا في حال أنهم لا يفتنون، ولا يبتلون بأنواع المحن والفتن ؟ التي تمحص المتقين المخلصين من المنافقين الكاذبين وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران ١٥٤].
نزلت هذه الآيات في قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام كسلمة بن هشام. وعياش بن أبى ربيعة. والوليد بن الوليد.
وعمار بن ياسر. وياسر أبوه وسمية أمه، فكانت صدورهم تضيق بذلك وربما استنكر بعض الناس أن يمكن اللّه الكفار من المؤمنين!.
فنزلت هذه الآية مسلية ومعلنة أن هذه هي سيرة اللّه في عباده اختبار للمؤمنين وفتنة لهم وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ [سورة آل عمران آية ١٤١].
قال بعض العلماء : وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه فهي باقية في أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم موجود حكمها ما دام هناك إسلام وحق يدافع عنه بعض الناس، فلا بد من وجود إيذاء وشدائد لهم.
ولقد فتنا الذين من قبلهم، وابتليناهم قديما كما ابتلينا إبراهيم بإلقائه في النار، وكما