ج ٣، ص : ١٧٩
روحية اللّه أعلم بها، ومن هنا نعرف أن اعتراضات الكفار قديما وحديثا واحدة.
وقالوا : ما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون كذبا متجددا حادثا كلما ادعيتم الرسالة، وهذه شبهة ثانية لهم تتعلق بالحق تبارك وتعالى. والشبهة الأولى تتعلق بالمرسلين، وخلاصة هذه الشبهة أن الكون أمامنا لم نر فيه أى دليل على أن الرحمن ينزل شيئا من عنده نيابة عنه، ونحن لا نراكم إلا كاذبين، فماذا قالت الرسل لهم ردّا على الاتهام، وتفنيدا لتلك الشبهة ؟
قالت الرسل : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فنحن لا ندعى أننا رسل من يجهل الخلق أو هو عاجز في نفسه، لا : بل نحن رسل الخبير البصير، فلو أننا كاذبون لمحقنا ولأهلكنا فإن العاقل إذا علم أن هناك من يدعى أنه رسوله ووكيله كذبا وبهتانا لا يمكن أن يتركه بل يفعل معه ما يستطيع من بطلان هذه الدعوى، وللّه المثل الأعلى، وأنت ترى أنهم لم يسأموا بل كرروا ما ادعوه مؤكدا أكثر من الأول حيث صدروا دعواهم بقولهم : ربنا يعلم - وهذا كالقسم ثم التأكيد بإن واللام واسمية الجملة - كل ذلك لتأكيد دعواهم، أو للرد على الكفار.
وما علينا شيء بعد إبلاغهم هذه الحقائق، وفي ذلك إشارة رقيقة إلى دعواهم فإنهم لم يطلبوا أجرا ولا رئاسة ولا شيئا من حطام الدنيا، وليس عليهم إلا البلاغ وعلى اللّه الحساب، فتفكروا في أمركم أيها الكفار! فماذا كان بعد هذا ؟.
قالوا لهم : إنا متشائمون بكم، ومتطيرون، ولقد مسنا سوء حينما ادعيتم هذه الدعاوى الكاذبة وأصررتم وحلفتم الأيمان عليها واليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع فنحن متشائمون بكم لئن لم تنتهوا عما تقولون لنرجمنكم بالقول الغليظ وليمسنكم منا عذاب بالضرب والقتل أليم وشديد.
وماذا كان من الرسل.. ؟ قالوا : لا تتشاءموا بنا ولا تتطيروا، إنما طائركم معكم، أى حظكم من خير أو شر معكم ولازم في أعناقكم، وليس هو منا : أئن ذكرتم ووعظتم وخوفتم تطيرتم وكفرتم ؟ إن أمركم لعجيب!!.. بل أنتم قوم مسرفون متجاوزون الحدود في أعمالكم، فبدل النظر السليم في دعوى الرسالة، والبعد عن التقليد الأعمى، وإطلاق العقول من ربقة الاستعباد الفكرى، فبدل هذا تشاءمتم وتطيرتم وأسرفتم في الظلم والبهتان. واللّه إن أمركم لعجيب!!


الصفحة التالية
Icon