ج ٣، ص : ٢٩٠
وفي هذه الآيات تكلم الحق - تبارك وتعالى - عن نزول القرآن وأنه من عند اللّه الموصوف بصفات ست، ثم تعرض للكفار الذين كفروا به وجادلوا بالباطل ومآلهم.
ثم تعرض لموقف من آمن به وطمأنهم غاية الاطمئنان حيث جعل الملائكة تدعو لهم وتستغفر للمؤمنين.
المعنى :
هذا القرآن الكريم الذي بين يديك يا محمد تنزيله من اللّه، فأنت صادق فيما تدعيه من أنك رسول اللّه وأن القرآن من عند اللّه، هذا القرآن يجب اتباعه، والسير على طريقته لأنه منزل من عند اللّه الخالق لكل شيء، القادر الذي له ملك السموات والأرض، العزيز الذي لا يغلبه غالب، العليم الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الغيب والشهادة، وهو مع هذا يغفر الذنوب جميعا ويقبل التوبة من عباده لأنه كتب على نفسه الرحمة، وهو مع هذا شديد العقاب لمن عصى وبغى، ولم يرع ذمة ولا عهدا، ولم يرجع نادما تائبا عما فرط منه، وهو صاحب الطول، وواهب الفضل ومجزل العطاء، وصاحب النعم في السراء والضراء، وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها، ترى أن اللّه وصف نفسه بصفات الرحمة والفضل، فلو كان معه إله آخر يشاركه ويساويه لما كان جديرا بهذه الصفات ولما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة، أما إذا كان واحدا ليس له شريك ولا شبيه، كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة، وكانت هذه الصفات به جديرة.
فلذلك قال هنا : لا إله إلا هو ولا معبود بحق سواه، واعلموا أنه إليه وحده المرجع والمآب فاحذروا عقابه وارجوا ثوابه. روى عن عمر بن الخطاب - رضى اللّه عنه - أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له : تتابع في هذا الشراب وأصبح من أهل المدام، فقال عمر لكاتبه : اكتب إليه : سلام عليك وأنا أحمد اللّه إليك، الذي لا إله إلا هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ.. إلى قوله إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
ثم ختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر عمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته صحيفة عمر، جعل يقرؤها ويقول : وعدني اللّه أن يغفر لي، وحذرني عقابه وذكرني بنعمه فلم يبرح يرددها حتى بكى، ثم نزع نفسه مما هي


الصفحة التالية
Icon