ج ٣، ص : ٣٧٥
ومن صفاتهم أيضا الإنفاق مما رزقهم اللّه، تلك الاشتراكية المنظمة السليمة من الآفات والعيوب.
وهكذا الإسلام يبين لنا أن من صفات المؤمنين العزة والكرامة، والاعتزاز بقوة اللّه والوثوق في نصره، وعلى ذلك فإذا أصابنا بغى وظلم بغير حق وجب علينا أن ننتصر وندافع عن حقوقنا، وقد كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يغضب جدا إذا انتهكت حرمة من محارم اللّه، ويغفر ويعفو لمن ينال من شخصه في بعض الأحيان، والشخص المعتدى عليه ينطبق - إذا كان اعتداؤه بغير قصد، ولم يكن مصرّا عليه، وكان في العفو عنه تسكين لفتنة - عليه قوله تعالى : وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ « ١ »
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى « ٢ »
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ « ٣ »
وغير ذلك من آيات العفو.
فإن كان في ترك الانتصار جرأة السفهاء، ومذلة المؤمنين، وانتهاك حرمة الدين فالانتصار واجب إذ هم يكرهون أن يذلوا أنفسهم حتى يجترئ عليهم السفلة من الناس بل ينتصرون على من بغى عليهم واعتدى واللّه معهم. وعلى ذلك فلا تعارض في الآية.
ولكن رد الاعتداء والانتصار للحق يكون على أى شكل ؟ لقد رد اللّه على هذا بقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فإن النقصان حيف، والزيادة ظلم، وبدء الاعتداء سيئة وشر، ورده كذلك يسيء من ينزل به،
لقد صدق الحكيم العربي حيث قال :« الشر بالشر والبادي أظلم ».
فمن عفا عمن ظلمه وأصلح ما بينه وبينه حتى لا يعود إلى الاعتداء فأجره على اللّه وذلك خير بلا شك، إذ قد شرطنا في القصاص ورد الاعتداء المساواة، وتحقيقها واقعيا بعيد، ففي الغالب يكون معه ظلم وزيادة واللّه لا يحب الظالمين، ومن هنا نعلم أن الشرع يميل إلى العفو، وأنه أقرب إلى التقوى، وهذا كما قلنا بشروط موكول أمرها للمسلم.
وهل المنتصر لنفسه معتد أم لا ؟ لا. ولمن انتصر بعد ظلمه والاعتداء عليه أولئك ما عليهم من سبيل، ولا عقوبة عليهم، إنما الإثم والعقوبة والسبيل على الذين يظلمون الناس بغير حق ويبدءون بالعدوان على الآمنين الهادئين أولئك لهم عذاب أليم.

_
(١) - سورة الشورى آية ٣٧.
(٢) - سورة البقرة آية ٢٣٧.
(٣) - سورة آل عمران آية ١٣٤.


الصفحة التالية
Icon