ج ٣، ص : ٣٧٦
ولمن صبر « ١ »
ولم يقتص حينما اعتدى عليه، وغفر فإن ذلك لمن عزائم الأمور وعظائمها التي لا يفعلها إلا أصحاب العزائم القوية،
فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :« ليس الشّديد بالصّرعة إنّما الشّديد الّذى يملك نفسه عند الغضب ».
المعنى :
ومن يضلله اللّه لأن نفسه ميالة إلى الشر والبعد عن الحق بمحض اختيارها، ومن كان كذلك فما له من ولى بعد اللّه يهديه إلى الحق وإلى الصواب، وهؤلاء هم الذين أعرضوا عن دعاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإيمان باللّه والمودة في القربى، وهم الظالمون.
وتراهم لما رأوا العذاب يوم القيامة، وأنه حق لا شك فيه، ندموا على ذلك وقالوا :
هل من رجوع إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا ؟ لما رأوا العذاب آمنوا وتمنوا الرجوع إلى الدنيا، ولكن هيهات، وأنى لهم ذلك! وتراهم يعرضون على النار وهم في قبورهم صباح مساء، يعرضون عليها حالة كونهم خاشعين من الذل، ينظرون إليها بعيون ضعيفة لأنهم ناكسو الرءوس ذليلون، فهم ينظرون مسارقة فلا يستطيعون أن يمكنوا عيونهم منها، وقال الذين آمنوا يوم القيامة : حقا إن الخاسرين هم الذين خسروا أنفسهم حيث حرموا من الجنة، ودخلوا النار يصلونها نارا مسعرة، وخسروا أهليهم وأحبابهم لأنهم إن كانوا في الجنة فقد حيل بينهم وإن كانوا في النار فلا فائدة فيهم، ألا ذلك هو الخسران المبين! وأى خسارة فوق هذا ؟ ألا إن الظالمين لأنفسهم في عذاب مقيم دائم إلى ما شاء اللّه، وما كان لهم في هذه الحالة من أولياء ينصرونهم متجاوزين اللّه كما كانوا يفهمون هذا خطأ، ولا غرابة في ذلك فمن يضلله اللّه فلا هادي له، وما له من سبيل إلى الخير يسلكه!

_
(١) - هذه اللام أفضل فيها أن تكون لام ابتداء لا قسم.


الصفحة التالية
Icon