ج ٣، ص : ٣٨٣
المفردات :
أُمِّ الْكِتابِ المراد : اللوح المحفوظ فإنه أم الكتب السماوية، أى : أصلها أَفَنَضْرِبُ : أفننحي عنكم القرآن ونمسكه مُسْرِفِينَ : منهمكين في الإسراف وتجاوز الحد بَطْشاً : قوة وشدة وَمَضى : سبق مَثَلُ الْأَوَّلِينَ : صفتهم العجيبة التي تشبه المثل في الغرابة صَفْحاً أى : إعراضا، يقال : صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه، والأصل فيه أن يقال : أعرضت عنه إذا أوليته صفحة عنقي.
المعنى :
حم. أقسم ربك بالكتاب المبين إنا جعلنا ما أنزل عليك وصيرناه قرآنا عربيا غير ذي عوج في لفظه أو معناه كي تعقلوا وتفكروا فيه تفكيرا سديدا لتعلموا أنه من عند اللّه لا من عند محمد.
أقسم اللّه بالكتاب لفتا لنظر الناس إليه وبيانا لعظمته المقتضية لأن يقسم اللّه به، ووصفه بالإبانة لأنه أبان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وكان المقسم عليه كونه قرآنا عربيا لإثبات أنه وارد على أساليب العرب فلا يعسر عليهم فهمه وإدراك أسراره وإعجازه ولذا ختم الآية بقوله : لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
ويقول الآلوسي في تفسيره : والقسم بالقرآن على ذلك من الأيمان الحسنة البديعة لما فيه من رعاية المناسبة والتنبيه على أنه لا شيء أعلى منه فيقسم به : ولا أهم من وصفه فيقسم عليه : وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [سورة الواقعة آية ٧٦].
إن هذا القرآن في أم الكتاب لدى الحق - تبارك وتعالى - لعلى ورفيع الشأن وكبير المقام بالنسبة لغيره وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [سورة المائدة آية ٤٨]، وإنه لعلىّ حكيم ذو حكمة بالغة.
هذا كلام مع مشركي مكة أولا ومع الناس جميعا بعدهم، فالخطاب لهم وإن كانت العبرة بعموم اللفظ، هؤلاء المشركون كانوا مسرفين في الإنكار والتكذيب، وكلما زادهم الرسول دعاء ازدادوا نفورا واستكبارا، فقال الحق لهم :