ج ٣، ص : ٤٤٢
ربكم أعلم بما تفيضون فيه وتندفعون إليه من القدح في وحى اللّه والطعن في آياته وتسميتها تارة سحرا وطورا افتراء وكذبا، كفى به شهيدا يشهد بيني وبينكم حيث يشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالتكذيب والجحود، وهو الغفور الرحيم لمن تاب وأناب ورجع إلى اللّه.
وما لكم تكذبونني في دعوى الرسالة عن اللّه، وتكفرون بما جئت به من التوحيد وإثبات البعث ؟ هل أنا وحدي في ذلك ؟ هل أنا أول رسول أرسل للبشر ؟ لا.
ما كنت بدعا من الرسل، ولم أكن أولهم بل سبقني إبراهيم وموسى وعيسى - عليهم جميعا الصلاة والسلام -.
ولست أدرى ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا فالأمر مفوض إليه، وإن كان وعد المؤمنين بالنصر والخير وأوعد الكافرين بالخذلان والشر. ومن أصدق من اللّه حديثا ؟ ! أما في الآخرة فاللّه قد أكد بأن أولياءه لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون... وكانوا يطلبون من النبي آيات للتعجيز، فيقول اللّه لهم على لسان رسوله : إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ، وما أنا إلا نذير. إن علىّ إلا البلاغ وعلى اللّه وحده الحساب.
قل لهم : أرأيتم - أخبرونى - إن كان هذا القرآن من عند اللّه وليس معجزا ولا مختلقا كما تزعمون والحال أنكم كفرتم به، وشهد شاهد من بنى إسرائيل، أى :
رجل منصف بعيد عن الشبهة عارف بالتوراة ملم بها فليس المراد به شخصا بعينه كعبد اللّه بن سلام أو موسى - عليه السلام - كما قال بعضهم، وشهد رجل من بنى إسرائيل على مثل الذي في القرآن من الدعوة إلى التوحيد وإثبات البعث والحث على الخير فآمن هذا الرجل واستكبرتم أنتم عن الإيمان وكفرتم بالقرآن. أخبرونى ماذا أنتم فاعلون! أرأيتم حالكم إن كان القرآن من عند اللّه وكفرتم به... إلخ فقد ظلمتم أنفسكم « ١ » ألستم ظالمين ؟ واللّه لا يهدى القوم الظالمين.
وهناك حكاية أخرى لبعض مفترياتهم : وقال الذين كفروا لأجل الذين آمنوا وفي شأنهم : لو كان هذا الدين حقّا والقرآن خيرا ما سبقنا إليه الضعفاء والفقراء والعبيد
(١) هذا هو جواب الشرط (إن) والمفعول الثاني لقوله (أرأيتم) مقدر، تقديره : ألستم ظالمين، وقوله :(إن اللّه لا يهدى القوم الظالمين) استئناف بيانى تعليلا لاستكبارهم.