ج ٣، ص : ٤٦١
فاديتموهم بمال تأخذونه منهم أو برجال أسرى عندهم، وهو ما يعبر عنه الآن بتبادل الأسرى، والظاهر - واللّه أعلم - أن هذه الآية نزلت بعد غزوة بدر التي عاتب اللّه النبي فيها على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذ منهم الفداء ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال آية ٦٧].
وعلماء الأحناف يرون أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة ٥] وعند الأكثرين أنها ليست بمنسوخة والإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط، ولا يجوز له قتله بعد المعركة وانتهائها فالإمام عقب المعركة مخير بين الأسر أو القتل، فإذا أسر له أن يمن أو يفادى، وليس له القتل.
وعلماء الشافعية يقولون : إن الإمام مخير بين أربعة خصال، يختار الأحسن منها للإسلام والمسلمين، فله أن يقتل الأسير إن لم يسلم، أو يمن عليه بلا مقابل، أو يفاديه بمال أو بفك أسير عندهم منا، أو استرقاقه، وقد استدلوا على ذلك بأن النبي من على أبى عزة الجمحي، وعلى ثمامة بن أتاك، وفدى رجلا برجلين من المشركين، وأمر بقتل بعضهم، كالنضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط، وذلك كله ثابت في كتب التاريخ والسير والسنة.
وهذه الأحكام كلها جارية معهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وعودة البشرية إلى حالة الهدوء والطمأنينة والحرية الكاملة، وهذا ما ينشده الأئمة والمصلحون، أما تحققه فهو موكول إلى اللّه، وهذا معنى قوله : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها « ١ » الأمر ذلك فاعرفوه، ولو شاء اللّه لانتصر لكم بإهلاكهم بعذاب من عنده لا جهاد لكم فيه، ولكن مضت سنته وشاءت قدرته أن يجعل سعادة الدنيا والآخرة للناس بأعمالهم وجهادهم، وذلك ليمحص اللّه الذين اتقوا ويعلم علم ظهور المنافقين من غيرهم.
والذين قتلوا في سبيل اللّه، واستشهدوا في سبيل الدفاع عن الحق ونصرته فلن يضل أعمالهم، بل سيجازيهم عليها أحسن الجزاء : سيهديهم ويصلح حالهم « ٢ »، ويدخلهم
(١) - في هذه العبارة مجاز في الإسناد، والمراد حتى تضع أهل الحرب، ومجاز في الحرب أطلق وضع آلة القتال وأراد تركه.
(٢) - الجملة واقعة موقع البيان مما قبلها ولذا فصلت.