ج ٣، ص : ٤٩
يا بنى إنها الفعلة السيئة أو الحسنة إن تك مثقال حبة من الخردل فتكن في جوف صخرة، أو في أى ركن في السماء أو في الأرض يأت بها اللّه، ويعطى عليها جزاءها كاملا، فإنه يعلمها إذ هو يعلم الغيب والشهادة، وهو اللطيف الخبير.
يا بنى أقم الصلاة فإنها عماد الدين، وأمر بالمعروف. وانه عن المنكر، أمره بما يقوم نفسه، وهو الصلاة، وما يقوم مجتمعه وبيئته وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن أصابك شيء في سبيل ذلك - ولا بد أن يأتيك، على أن الإنسان في الدنيا غرض لسهام الأحداث والمنايا، والسهام إذا انطلقت لا ترد - فاصبر على ما أصابك إن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، ولا تصعر خدك :
لا تمله عن الناس تهاونا بهم، وتكبرا عليهم، بل أقبل عليهم بوجهك مستبشرا منبسطا من غير كبر ولا علو، ولا تمش في الأرض مرحا، وتمشى بخيلاء فإن ذلك كله يغضب اللّه إنه لا يحب كل مختال فخور، وتوسط في مشيك فلا تمش مشى المتماوتين، ولا تثب وثب الشطار
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :« سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن »
. وأما قول عائشة - رضى عنها - : كان إذا مشى أسرع في مشيته، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوتين.
واغضض من صوتك، أى : انقص بعضه واخفضه حتى لا يصل إلى الصوت الأجش الذي يؤذى الجليس، ويقرع الصماخ بقوته، وربما يخرق طبلة الأذن، على أن ارتفاع الصوت دليل على شيء من الغرور والاعتداد وعدم الاكتراث بالغير، والمراد التوسط حتى لا يجهر جهرا ممقوتا، ولا يخافت مخافتة مرذولة، وخير الأمور أوساطها.
فإن من يرتفع صوته في الحديث حيث لا مبرر أشبه بالحمار، وصوته كالنهاق إن أنكر الأصوات وأوحشها لصوت الحمير، وكانت العرب تجعل الحمار مثلا في الذم والغباوة، وكذلك نهاقه.
انظر إلى لقمان الحكيم وهو يوصى ابنه بعدم الشرك باللّه، الظاهر والخفى، ويوصيه بأن اللّه عالم الغيب والشهادة وهو يعلم السر وأخفى وسيجازى على ذلك كله فراقبه وأحسن في العمل، ثم يوصيه بإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مهما تحمل في سبيل ذلك، ثم يوصيه بالصبر على المكروه فإنه من عزم الأمور، وعالج فيه أدواء النفس الإنسانية فقال له : لا تصعر خدك ولا تتكبر، ولا تمش مرحا مختالا