ج ٣، ص : ٤٩١
بقوله : وكان اللّه عزيزا لا يغلبه غالب، حكيما فيما صنع لأوليائه، ولا شك أن هذا تذبيل مناسب جدّا.
وعدكم اللّه مغانم كثيرة في حروبكم - أيها المسلمون - ما دمتم صادقي النية تجاهدون في سبيل اللّه ولإعلاء كلمته، وهذه المغانم ممتدة إلى يوم القيامة بهذا الشرط، فجعل لكم هذه - أى : غنيمة خيبر - جزاء لكم على امتثالكم أمر اللّه وأمر رسوله، وكف أيدى الناس عنكم، والظاهر أن المراد بالناس هنا أهل خيبر وحلفاؤها من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرة حلفائهم فقذف اللّه في قلوبهم الرعب، وقيل المراد بالناس : أهل مكة حينما كان المسلمون بالحديبية، والرأى الأول أصح لأن الكف وهم في الحديبية سيأتى خبره، كف أيدى الناس عنكم لتشكروه على ذلك، ولتكون هذه آية للمؤمنين، وأن اللّه يدافع عن المؤمنين ما داموا مؤمنين، واللّه بهذا يهديكم إلى صراط مستقيم هو طريق التوكل على اللّه وتفويض الأمر إليه، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
فعجل لكم مغانم خيبر هذه، وعجل لكم أخرى هي غنائم هوازن يوم حنين لم تقدروا عليها في أول الأمر حيث ر كنتم إلى قوتكم، ولم تتوكلوا على اللّه، ولكن اللّه أحاط بها واستولى عليها فهي في قبضته وتحت تصرفه يظهر من يشاء عليها، وقد أظهركم عليها حينما لجأتم إليه وتوجهتم له، وكان اللّه على كل شيء قديرا وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (الآيتان : ٢٥، ٢٦ من سورة التوبة)، فهل لنا أن نعتبر ونفوض الأمر إلى اللّه إنه بصير بالعباد ؟ !! ولو قاتلكم الذين كفروا من أهل مكة ولم يصالحوكم لولوا الأدبار وانهزموا هزيمة شنيعة، ثم لا يجدون لهم من دون اللّه وليا ولا نصيرا، وتلك سنة اللّه مع رسله وأوليائه التي قد مضت من قبل، ولن تجد لسنة اللّه تبديلا.
وهو الذي كف أيدى كفار مكة عنكم، وكف أيديكم عنهم، وأنتم ببطن مكة، فإن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في حرم مكة، كف أيديكم عنهم من بعد أن أظفركم عليهم فقد روى عن ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من جبل التنعيم متسلحين يريدون أخذ النبي وصحبه على غرة فأخذناهم