ج ٣، ص : ٤٩٤
المعنى :
لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا، ولم يجعلها أضغاث أحلام، وإن كان تفسيرها عمليا لم يقع إلا بعد عام، والصدق يكون بالقول أو بالفعل، وما في الآية صدق بالفعل فاللّه - سبحانه وتعالى - صدقه في رؤياه صدقا ملتبسا بالحق، أى : بالحكمة البالغة، والقصد الصحيح الذي يظهر به الإيمان الكامل والنفاق الصريح، ولهذا أخر تفسير الرؤيا ووقوعها إلى العام القابل.
واللّه لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه، ولعل سائلا يسأل ويقول : اللّه خالق الأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق بالمشيئة في فعله ؟
الجواب : أنه تعليم للعباد، وإيذان بأن منهم من يدخل ومنهم من يتخلف لموت أو مرض، ولعل هذا التعليق - إن شاء اللّه - حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو حكاية كلام النبي لأصحابه، وإيذان بأن دخولهم مكة بأمر اللّه ومشيئته لا بشيء آخر.
لتدخلن المسجد الحرام حالة كونكم آمنين من العدو، محلقين شعور رءوسكم ومقصرين له، لا تخافون بعد الدخول « ١ » فعلم ما لم تعلموا من الأمور « ٢ »، فجعل من دون ذلك، أى : من قبل تحقيق الرؤيا عمليا فتحا قريبا، وهو فتح خيبر، جعله كالدليل على صدق الرؤيا وتحقيقها.
وكيف تشكون في تحقيق رؤيا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ؟ وقد أرسله ربه بالهدى ودين الحق، فلا يصح أن يريه في المنام خلاف الواقع، فيكون ذلك داعيا لتكذيبه وزعزعة الناس فيه وفي أخباره، هو الذي أرسل رسوله هاديا للناس، ومصاحبا للهدى وملتبسا به ومؤيدا بالحجة والبرهان، والنور والقرآن، أرسله بالهدى ودين هو الحق لا شك فيه، ليعليه على الأديان كلها فيقر الحق منها، ويبطل الباطل ويغير من أحكامها ما لا يصلح في هذا الزمان، وكفى باللّه شهيدا على ذلك، وأنك رسوله وخاتم أنبيائه. أليس في هذا تسلية ؟ وأى تسلية أقوى من ذلك ؟ على رد سهيل بن عمرو لرسالة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
(١) - وقيل : هي جملة مستأنفة واقعة جواب سؤال : كيف الحال بعد الدخول ؟ فقيل : لا تخافون.
(٢) - والفاء عاطفة لعلم على صدق، والترتيب باعتبار التعليق الفعلى بالمعلوم لا بنفس المعلوم، وإلا فهو متقدم على تصديق الرؤيا.