ج ٣، ص : ٥١٣
روى أن هذه الآية نزلت في بنى أسد بن خزيمة كانوا يقيمون في جوار المدينة فأصابهم سنة مجدبة فقدموا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأظهروا الإسلام، وصاروا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه وسلم : جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما تقاتلك بنو فلان ويقولون : آمنا فاستحققنا الكرامة، وهم يريدون بذلك أعراض الدنيا، وكانوا يمنون على النبي بإسلامهم ويستجدون به
، وعلى ذلك فليس المراد كل الأعراب بل هم قوم مخصوصون منهم.
المعنى :
قالت الأعراب - وهم بنو أسد وإن كان اللفظ يتناول كل من أراد بدينه وإسلامه وتقواه عرضا من أعراض الدنيا - قالت الأعراب : آمنا باللّه ورسوله، وهم في الواقع لم يؤمنوا إيمانا كاملا خالصا لوجه اللّه، ولذا يقول اللّه : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وهذا تكذيب لهم في دعواهم الإيمان، فإن الإيمان تصديق وإذعان، وامتلاء القلب بنور اليقين، وأولئك قوم ألجأتهم ظروفهم إلى ادعاء ذلك، ولذا يقول اللّه ما معناه : ما كان يصح أن تقولوا : آمنا. ولكن قولوا : أسلمنا وانقدنا ظاهريا فقط للنجو من القتل والأسر وننعم بالفيء عند المسلمين، فلا تكذبوا على علام الغيوب فإنه يعلم السر وأخفى.
ثم عاد القرآن فجبر خاطرهم ونفى عنهم الإيمان مع ترقب حصوله لهم فقال : ولما يدخل الإيمان قلوبكم، أى : إلى الآن لم يدخل، ولكنه سيدخل فيها إن شاء اللّه وهذا تشجيع لهم على العمل والدخول حقّا في صفوف المؤمنين فقال : وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا ينقصكم من أعمالكم شيئا بل يوفيكم جزاءها كاملا غير منقوص فهيا اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون، إن اللّه غفور للمؤمنين رحيم بهم.
وبعد هذا ألسنا في حاجة إلى بيان الإيمان حقا، وإلى تعرف المؤمنين وصفاتهم حتى نكون على بينة من أمرهم ؟ نعم يقول اللّه شارحا الإيمان ومبينا صفات المؤمنين : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... (الآية). وقد ذكر اللّه صفات لهم عدة في هذه الآية وفي غيرها..
١ - المؤمنون هم الذين آمنوا باللّه على أنه واهب الوجود، والقادر على كل موجود، والعالم بالسر وأخفى، والمحيط بخفايا النفوس والعليم بذات الصدور، وهو


الصفحة التالية
Icon