ج ٣، ص : ٥٥٩
المعنى :
لما قص اللّه الأقاصيص العجيبة التي تمثل صدق الوحى وثبوته قال للمشركين موبخا لهم : أفرأيتم ما تعبدون من دون اللّه ؟ أى : أخبرونى عن الآلهة التي تعبدونها من دون اللّه. هل لها قدرة توصف بها ؟ هل أوحت لكم بشيء كما أوحى اللّه إلى محمد ؟ أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع، وقد ذكر من هذه الأصنام ثلاثة مشهورة، وكانت معظمة عندهم جميعا، والظاهر - واللّه أعلم - أنها كانت في أماكن متعددة، أى : بالطائف ومكة وغيرهما، أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى التي هي غاية في الذم والحقارة ؟ ألكم الذكر وله الأنثى ؟ وكيف تجعلون للّه ما تكرهون من الإناث وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور، وذلك قولهم : الملائكة بنات اللّه، تلك إذا قسمة ضيزى قسمة جائرة غير عادلة، وهذا، أى : قوله أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى توبيخ آخر لهم.
ما الأوثان والأصنام التي تدعونها آلهة إلا أسماء محضة ليس فيها شيء من معنى الألوهية لأنها لا تسمع ولا تبصر، ولا تغنى ولا تنفع، فما هي إلا أسماء لا مسميات لها ولا حقائق، تلك أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من قبل، ما أنزل اللّه بها من سلطان، ولا حجة ولا برهان، وما حجتهم في ذلك ؟ ما يتبعون فيما ذكر من التسمية واتخاذهم الأصنام آلهة إلا العمل بالظن الذي لا يغنى من الحق شيئا، ولا يتبعون إلا ما تهواه نفوسهم وتشتهيه، ولقد جاءهم من ربهم الهدى والبيان الرائع، جاءهم : أن اعبدوا اللّه وحده، ولا تشركوا به شيئا، وأن هذه الأصنام لا تغنى ولا تنفع، وجاءهم كل هذا في القرآن الحكيم الذي يدعوهم إلى التوحيد بالدليل والبرهان القوى الذي لا يقبل الشك... أم للإنسان ما تمنى ؟ « ١ » نعم ليس للإنسان شيء مملوك له مما يتمناه، يتصرف فيه حسب ما يريد، ومن باب أولى هؤلاء الكفار وأمانيهم الباطلة، ترى أن اللّه أضرب عن اتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم وعن اتباعهم هوى النفس الأمارة بالسوء، وانتقل إلى إنكار أن يتحقق لهم ما يتمنون كأن تنفعهم الأصنام أو تشفع لهم، ثم علل ذلك بقوله. فللّه أمور الآخرة والدنيا فما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، ثم أكد ذلك
(١) هي أم المنقطعة بمعنى بل الإضرابية وهمزة الاستفهام التي للإنكار. [.....]