ج ٣، ص : ٦٠٢
المعنى :
نحن خلقناكم أول مرة وحدنا فهلا تصدقون بذلك تصديقا مقرونا بالطاعة والأعمال الصالحة! فإنهم أقروا ظاهرا بأن اللّه خلقهم، ولكنه إقرار لم يتبع بالطاعة الصحيحة فنزل منزلة العدم، ولذا حضهم اللّه على الإقرار بالخلق فقال : فلو لا تصدقون!، وقيل المعنى : نحن خلقناكم أول مرة فهلا تصدقون بأنا قادرون على الخلق ثانيا يوم القيامة! ثم أخذ يسوق الأدلة والحجج التي تثبت ذلك فقال : أفرأيتم ما تصبون في رحم النساء من المنى! أأنتم تخلقونه وتصورونه بشرا تام الخلقة ؟ أم نحن الخالقون له وحدنا « ١ » ؟ لم يخلق بالطبيعة، ولم يخلق وحده، ولم تخلقوه أنتم، وهذا المنى تحول من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة فكيف تستبعدون الخلق يوم البعث ؟ وإحياءكم بعد أن كنتم ترابا أنتم وآباؤكم ؟ ! نحن قدرنا بينكم الموت، ووقتنا موت كل واحد بزمن لا يتقدم ولا يتأخر، وما نحن بمغلوبين في ذلك أبدا، وما نحن بمغلوبين أيضا على أن نذهبكم، ونأتى مكانكم بأمثالكم من الخلق، وننشئكم فيما لا تعلمون من الخلق والأطوار، فنحن قادرون على كل ذلك، ولقد علمتم النشأة الأولى لكم حيث خلقتم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة... إلخ ما هو معروف، وقيل المعنى : لقد علمتم النشأة الأولى لخلق أبيكم آدم من تراب، وبين التراب والحياة البشرية بون شاسع، فهلا تذكرون ذلك ؟ وتعلمون أن من قدر على ذلك كله قادر على إحياء الموتى ؟ !.
أفرأيتم ما تحرثون ؟ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ؟ نعم اللّه هو الذي يحيى الأرض بالنبات بعد موتها، وهو القادر على إخراج النبات الأخضر المثمر من البذور والطين مع أن الحب في الطين قابل للعفونة، ولكن اللّه بقدرته يخرج منه نباتا أصفر طريا غضا أفلا يدل هذا على القدرة ؟
(١) - الاستفهام في قوله أرأيتم المراد به الطلب، أى : أخبرونى عن المنى، وقوله : أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون :
في موضع المفعول الثاني على أن الرؤية علمية، وعلى أنها بصرية تكون مستأنفة لا محل لها، وقوله : أم نحن الخالقون إنها متصلة، وقيل : إنها منقطعة لأن ما بعدها جملة الاستفهام المقدر للتقرير.