ج ٣، ص : ٦٥٨
دياركم وأموالكم وأوطانكم لا لشيء أبدا إلا لأنكم تؤمنون باللّه ربكم، عجبا كيف تجعلونهم أولياء وتسرون إليهم بالمودة ؟ !! إن كنتم خرجتم للجهاد في سبيل اللّه وابتغاء مرضاته فلا تتخذوهم أولياء، أى :
لا تتولوا أعدائى إن كنتم أوليائى.
كيف تلقون إليهم بالمودة ؟ تسرون « ١ » إليهم بأخبار الرسول سرّا، وأنا أعلم السر وأخفى، نعم اللّه يعلم ما أخفيتم وما أعلنتم، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل، وأخطأ طريق الهدى والحق.
كيف هذا مع أنهم إن يظفروا بكم ويدركوكم - على أى وضع - يكونوا لكم أعداء ويعاملوكم معاملة العدو اللدود، ويسطوا إليكم أيديهم بالضرب والسبي والقتل وألسنتهم بالشتم والسب والذم، ولا عجب فإنهم يودون من صميم قلوبهم لو تكفرون.
وما لكم توادون أعداء اللّه وأعداءكم من أجل قرابتكم وأولادكم ؟ مع أنه لن تنفعكم أرحامكم ولا قراباتكم، ولن تنفعكم أولادكم وأموالكم في شيء، يوم القيامة يفصل بينكم ويقضى بحكمه فاعملوا لأجل هذا اليوم، وانظروا ماذا قدمتموه لهذا الغد، واعلموا أن اللّه بما تعملون بصير فسيجازيكم على كل عمل.
أسوة إبراهيم في هذا :
كيف تتخذون أعدائى وأعداءكم أولياء ؟ ألا تقتدون بأبيكم إبراهيم ؟ قد كانت لكم أسوة حسنة، وقدوة طيبة في أبيكم إبراهيم الخليل والذين معه من المؤمنين إذ قالوا « ٢ » لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون فنحن لا نعتد بكم، ولا نحفل بآلهتكم بل أنكرنا، وبدا بيننا وبينكم العداوة لا المحبة، والبغضاء لا الصداقة في كل وقت، كل هذا حتى تؤمنوا باللّه وحده، وتكفروا بشرككم. اقتدوا بأقوال إبراهيم وأفعاله إلا قوله لأبيه : لأستغفرن لك.
واستثناء قول إبراهيم هذا من الأسوة - الحسنة، لأنها - واجب اتباعها وتقليد إبراهيم فيها حيث ذكر بعدها هذا الوعيد وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(١) هذه الجملة بدل بعض من كل في قوله تلقون.
(٢) (إذ قالوا) بدل اشتمال من (إبراهيم).