ج ٣، ص : ٦٧٩
دعاء وطلب من ذاته - تعالى - أن يلعنهم هو ويطردهم، أو هو تعليم للمؤمنين أن يدعوا على المنافقين بذلك.
وإذا قيل لهم : تعالوا إلى رسول اللّه يستغفر لكم عما فرط منكم، أشاحوا برءوسهم وعطفوها كبرا وإعراضا عن هذا الطلب واستهزاء به.. ورأيتهم يصدون جاهدين عن سبيل اللّه غيرهم، وهم مستكبرون.
سواء عليهم استغفارك لهم وعدمه « ١ » فإنهم لن ينتفعوا به، ولن يؤمنوا لأن اللّه لن يغفر لهم، إن اللّه لا يهدى القوم الفاسقين، ولا غرابة في وصفهم بالفسق والخروج عن حدود الدين والعرف فهم يقولون لأصحابهم من الأنصار : لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينقضوا.
يَنْفَضُّوا : يتفرقوا. الْعِزَّةُ : الغلبة لا تُلْهِكُمْ : لا تشغلكم.
أَجَلُها الأجل : آخر العمر.
المعنى :
إذا جاءك المنافقون وحضروا مجلسك قالوا بألسنتهم : نشهد إنك لرسول اللّه « ٢ » واللّه يعلم إنك لرسوله حقا « ٣ » واللّه يشهد إن المنافقين لكاذبون، فالتكذيب من اللّه لهم ليس لقولهم : إنك لرسول اللّه، ولكنه راجع إلى ادعائهم الصدق والموافقة في الشهادة بين اللسان والقلب، ولا شك أنهم كاذبون في قولهم هذا، لأنهم لا يؤمنون به بناء على أن الكذب ما خالف الاعتقاد.
(١) الهمزة في (أستغفرت) للاستفهام في الأصل واستعملت للتسوية مجازا.
(٢) إذا ظرف لقالوا، والتأكيد بأن واللام واسمية الجملة لتأكيد علمهم بهذا الخبر وشهادتهم، شهادة يطابق فيها اللسان القلب.
(٣) جملة اعتراضية بين قولهم وتكذيب اللّه لهم فائدتها دفع وهم أن التكذيب لقولهم في حد ذاته والتأكيد فيه لمزيد الاعتناء حقيقة بشأن الخبر.