ج ٣، ص : ٦٨١
لا تنفقوا على من عند رسول اللّه من المهاجرين حتى ينفضوا ويتفرقوا عنه. عجبا لهؤلاء، أما علموا أن في السماء الرزق، وأن للّه خزائن السموات والأرض، وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين، ولكن المنافقين لا يفقهون ذلك. يقولون : لئن رجعنا إلى المدينة من غزوة بنى المصطلق ليخرجن الأعز منها - أرادوا أنفسهم - الأذل من المهاجرين وأصحاب رسول اللّه، بئسما قالوا والحال أن العزة والقهر والغلبة للّه على أعدائه، ولرسوله العزة بنصرة دينه وإظهاره على الأديان كلها، وللمؤمنين العزة بنصرتهم على أعدائهم، وخاصة من يقول هذا الكلام السابق، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك.
أرأيت إلى المنافقين وإيمانهم الكاذب، وأيمانهم، وشهادتهم ؟ - واللّه يعلم إنهم لكاذبون - انظر إليهم وقد اتخذوا أيمانهم جنة لهم، وقد صدوا عن سبيل اللّه وساء عملهم، وهم في المجالس كالخشب المسندة، ويظنون أن كل صيحة واقعة عليهم، وهم الذين يدعون غيرهم إلى الإمساك والشح لقصر عقولهم، ويتعاهدون على إخراج المؤمنين معتزين بالباطل والغرور، ولكن العزة للّه ولرسوله وللمؤمنين إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [سورة النساء آية ١٤٥].
يا أيها الذين آمنوا : لا تكونوا كالمنافقين الذين يغترون بالأموال والأولاد، ويشتغلون بتدبيرها ورعايتها عن ذكر اللّه، ولا شك أن من أهم الأسباب التي تدفع الإنسان إلى النفاق أو التحلل من الدين هو الانشغال بالدنيا وعوارضها، والانهماك الشديد في تحصيلهما ورعايتهما، فذلك مما يشغل الإنسان عن ذكر اللّه وعن عبادته، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون لأنهم باعوا الباقية بالفانية، واشتروا الضلالة بالهدى، وليس معنى هذا أننا نترك الدنيا بما فيها من الأموال والأولاد، لا. ولكن المنهي عنه هو الانشغال بهما عن ذكر اللّه، أما إعطاء الدنيا حقها مع العبادة وذكر اللّه فهذا هو مطلوب الشرع الشريف، وفي هذه الدائرة يتنافس المتنافسون، وأنفقوا بعض ما رزقناكم، أنفقوا بعض ما جعلكم اللّه خلفاء فيه، وأنفقوا بعضا يكن لكم حصنا ووقاية من عذاب اللّه، أنفقوا بعض المال يكن حصنا لكم ولمالكم حتى لا يذهب في الدنيا، ولا تعاقبوا في الآخرة، أنفقوا قليلا من المال من قبل أن يأتى أحدكم مقدمات الموت وأماراته فيقول حين يرى ما أعد للمتخلفين عن أوامر اللّه، فيقول : رب لولا


الصفحة التالية
Icon