ج ٣، ص : ٧١٥
المعنى :
اللّه يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر وأخفى، فسواء عنده الإسرار في القول والجهر به، إنه عليم بصاحبة الصدور، وبما يكون من الخواطر التي تلازم القلوب فلا تبرحها، ألا يعلم اللّه مخلوقاته التي خلقها ؟ ألا يعلم الخالق خلقه ؟ والحال أنه هو اللطيف العالم بدقائق شئون البشر، المطلع على خفايا الخلق، وهو اللطيف بعباده، وإن لطفه بعباده لعجيب، فهو يوصل الخير إليهم، ويكشف الضر عنهم من أخفى الطرق وأدقها، وهو الخبير بكل شيء.
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا : سهلة مذللة ينتفع الخلق بكل ما فيها، فانقياد الأرض لبنى آدم ظاهر الوضوح، وخاصة في هذه الأيام حيث لم يدع الخلق ضربا من ضروب الانتفاع إلا سلكوه، ولا عنصرا إلا حللوه وركبوه، صهروا المعادن، وفتتوا الذرات واستنبتوا النباتات، واكتشفوا أسرار الكائنات، وغاصوا في أعماق البحار وطاروا في أجواء الفضاء، أليس اللّه قد لطف بعباده حيث مكنهم من كل ذلك ؟ جعل الأرض ذلولا، وإذا كان كذلك فامشوا في مناكبها ونواحيها، وجوانبها وأطرافها، وآكامها وسهلها وحزنها.
احذروا أيها الناس هذا التمادي في الباطل، والتكذيب للرسل، واذكروا أنه تعالى جعل لكم الأرض سهلة لينة منقادة انقياد الدابة الذلول، فدعوا إذن العناد والتكذيب، واعلموا أن إليه النشور، وإليه وحده مرجع الإنسان في الحياة الأخرى ليحاسبه ويجازيه.
واعلموا أيها الناس أن اللّه قادر على تبديل النعم بالنقم، فاحذروا عقابه، واخشوا غضبه، أأمنتم الحق - تبارك وتعالى - أن يخسف بكم الأرض، ويغيبكم فيها، فإذا هي تتحرك بشدة حركة غير عادية ؟ أأمنتم أيها القوم ذلك الإله العظيم الذي تعتقدون أنه موجود في السماء - مع أنه ثبت بالدليل العقلي أن اللّه ليس له مكان بل هو موجود بقدرته وعلمه وإحاطته في كل مكان - أأمنتم أن يهلككم، ويبيدكم، ويغير هذه الأرض الذلول التي تنتفعون بها في كل شيء، فإذا هي تمور وتضطرب ؟ ! بل أأمنتم اللّه الذي هو في السماء - كما تعتقدون - أن يرسل ريحا شديدة تثير الحصباء وتحملها، هذه الريح ترسل عليكم فتهلككم وتستأصل شأفتكم ؟ !