ج ٣، ص : ٧٣
لذلك جاء الإسلام يعلل ويعالج، ولا يترك المحتاج يتخبط بل يرسم الطرق الحكيمة، ويضع العلامات واللافتات حتى تصبح الصراط المستقيم، فاستمع إلى القرآن وهو يغرس في نفوس المسلمين العزة والكرامة، ويربيهم على أنهم لا يلتفتون إلى الكفار والمنافقين مهما كان شأنهم، يقول : إن اللّه كان عليما بالمصلحة والصواب حكيما لا يأمر ولا ينهى إلا بداعي الحكمة الحكيمة. فنفذوا النهى، وامتثلوا الأمر فإن هذا خير لكم، والعلاج الثاني هو أن يتبع ومن معه ما يوحى إليه من لدن رب العالمين، إنه بما تعملون خبير فيوحى إليكم بكل نافع إذ هو خبير بالعباد بصير، والعلاج الثالث هو التوكل على اللّه حقا، والاعتماد على جنابه اعتمادا حقيقيا، لا شبهة فيه ولا ادعاء، ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه، وكفى به وكيلا.
يا للّه، كأن القرآن ينادينا ويحذرنا من طاعة الكفار المنافقين والركون إليهم والاستماع لهم ما داموا يقفون منا موقف العناد، ويثيرون علينا غبار الذل والهوان، ولا علينا شيء بعد هذا، ولن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا، ثم يقول : ثقوا باللّه، إنه عليم حكيم فنفذوا أمره واجتنبوا نهيه، وعليكم باتباع القرآن وتنفيذه في كل صغير وكبير مع أنفسكم ومع إخوانكم وفي بيوتكم وأسركم، ثم بعد هذا توكلوا على اللّه فإنه من يتوكل عليه يكفيه كل مكروه، واعلموا أن اللّه يدافع عن الذين آمنوا.
وعلى هذا فالواجب علينا ما دمنا مؤمنين بالقرآن والنبي أن نطبق هذا الحكم، وأن نعالج أنفسنا وأمراضنا باتباع القرآن حقا في كل شيء، والتوكل على اللّه.
وانظر إلى قوله تعالى بعد هذا : ما جعل اللّه لرجل - أيا كان - قلبين في جوفه، والقلب محل التوجيه، ومبعث الاتجاهات والعواطف، فإذا كنت مع اللّه ورسوله وليس في قلبك مثقال ذرة من كفر أو نفاق، فلن تكون غير مؤمن صالح كامل متبع للقرآن داع له ولحكمه، متوكل على اللّه، والعرب تفهم في هذا أنه لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب كما لا يجتمع قلبان في جوف، ولا يصح أن تكون أخلاقنا وآدابنا من واد وديننا من واد، ونظامنا واقتصادنا من واد آخر.
ومن هنا كان استدراجا محكما حيث نفى اجتماع الزوجية مع الظهار، والتبني مع النسب الصريح بعد ما نفى وجود اجتماع اتجاهين مضادين في قلب واحد.