ج ٣، ص : ٧٤٧
هدد اللّه المشركين بذكر يوم القيامة، وما يحصل فيه بعد التعرض للسؤال عن العذاب الواقع، ثم ذكر هنا طبيعة الإنسان التي تدعوه إلى الكفر واستعجال العذاب والإتيان بأعمال يكون الدافع له حب العاجلة وترك الآجلة، وتلك من غرائز الناس إلا من آمن به فإنه ينجو منها.
المعنى :
إن الإنسان خلق من طين أسود لازب، جف حتى صار كالفخار، ثم نفخ فيه من روح اللّه، هذا الإنسان لا بد أن ينزع إلى الشر وإلى الخير، ونزعه إلى الشر كثير بل هو الأصل، ولا يخفف هذا إلا دواعي الخير كالإيمان السليم والقرآن الكريم، والعقل الراجح وبدون هذا فالإنسان حيوان، لكنه مفكر، فالإنسان من حيث هو إنسان مادى بطبعه يؤثر الدنيا على الآخرة، ويحب العاجلة على الباقية، ولا يمنعه من هذا إلا الإيمان باللّه وحبه له ولرسوله، وامتثال أمر الشرع في أفعاله، عندئذ يتبصر فيرى الحق ويتبعه وإن خالف نفسه وهواه ويرى الشر فيتجنبه وإن دعته له الدنيا وطبيعته، فالإنسان خلق كثير الهلع، شديد الجزع، إن مسه الشر يستولى عليه يأس قاتل، وقنوط مميت، فهو لعدم إيمانه باللّه يظن أن هذا الذي نزل به من فقر أو مرض أو مصيبة لا يمكن أن تتحول عنه، كأنه ليس في الكون إله يقدر على ذلك، وهو إن مسه الخير، وصادفه الحظ كان منوعا له عن الناس جميعا، لأنه يعتقد أن هذا الذي وصل إليه إنما أوتيه على علم عنده وعلى قوة وبصر منه ليس للّه فضل عليه، وليس لمخلوق حاجة لديه، ولذلك تراه يمنع رفده، ويضرب عبده ويأكل وحده، تراه فظا غليظ القلب جافى الطبع سىء المعاملة.
تلك بعض طبائع الإنسان الموجودة فيه. أما علاجها فهو الإيمان باللّه، وحسن التوكل عليه، وحب الآخرة، والبعد عن الدنيا وزينتها، وخلاصة ذلك : طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بيوم الدين، والخوف من العقوبة، وقد استثنى اللّه - سبحانه - من الناس الذين جبلوا على الهلع والجزع ومنع الخير - وفي هذا إشارة إلى العلاج - المؤمنين الكاملين الواثقين في اللّه ثقة كاملة، وهؤلاء هم المصلحون المحافظون على صلاتهم المداومون عليها، الذين يعطون الفقير حقه من أموالهم، سواء سأل أو تعفف، والذين يؤمنون بالغيب، ويصدقون بيوم البعث، والذين هم من عذاب ربهم دائما في خوف، فليس


الصفحة التالية
Icon