ج ٣، ص : ٧٨٦
لأنهما في أنفسهما عظيمان سواء أقسم بهما أم لا ؟ وهذا الأسلوب بلا شك يفيد تعظيمهما جدّا، وبالتالى يفيد تعظيم المقسم عليه الذي هو البعث. انتهى باختصار وتصرف.
أقسم الحق - تبارك وتعالى - بيوم القيامة على أن الناس لا يتركون سدى بدون حساب بل لا بد أنهم يبعثون ويجاوزن على أعمالهم، وأقسم كذلك بالنفس التي تكثر اللوم لذاتها لأنها لم تكثر من فعل الخير أو لفعلها الشر، وهذا اللوم إنما يكون يوم القيامة وقيل : النفس اللوامة التي تلوم نفسها في الدنيا على التقصير في عمل الخير أو على بعض الهفوات في الشر، وهذه ليس من المعقول أن تترك بلا جزاء على هذا العمل.
لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة لتبعثن ولتحاسبن يوم القيامة على ما قدمتم في الدنيا من خير أو شر.
أيحسب الإنسان الذي من شأنه وطبعه أنه يكذب بالوحي، أيحسب « ١ » أنا لن نقدر على جمع عظامه بعد موته وتفريقها ؟ !! وهل المراد بالإنسان شخص خاص أو كل إنسان منكر ؟
روى أن الآية وردت في معرض الرد على عدى بن ربيعة والأخنس بن شريق، وكانا جارين سيئين لرسول اللّه، فقد جلس عدى يوما إلى رسول اللّه وطلب منه أن يحدثه عن يوم القيامة، فأخذ النبي يحدثه عن يوم القيامة، فقال عدى : أما واللّه لو رأيت ذلك اليوم بعيني لم أصدقك يا محمد، ولم أؤمن بك ولا به. أيمكن أن يجمع اللّه العظام ؟ !
ولذلك جاء في رد القرآن على كل من ينكر - وخاصة عديا والأخنس وأضرابهما - بما يأتى : بلى نجمعها ونعيدها كما بدأنا خلقها أولا حالة كوننا - أى :
الذات الأقدس - قادرين على جمع عظامه مع تسوية بنانه حتى يتمثل بشرا سويّا كاملا كما كان، فذكر تسوية البنان إشارة إلى إعادة الإنسان كاملا في أعضائه حتى الأطراف، أو إلى إعادته كاملا في تكوين جسمه كما كان في الدنيا.
والبنان وما فيه من سلاميات ومفاصل، ودقة في الوضع والتركيب، وما في أطرافه التي تختلف بصماتها في كل فرد عن الآخر دليل على كمال القدرة بل يدل على أن القادر على ذلك هو بلا شك قادر على جمع العظام وإحياء الموتى.
(١) والاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ على ما وقع من المنكرين البعث.