ج ٣، ص : ٧٩٩
ما هم عليه، فكان من الخير أن تختم السورة بتوجيهات شديدة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم تنفعه في هذا الوضع.
المعنى :
إنا نحن نزلنا عليك القرآن يا محمد : نزلناه تنزيلا، فهذا القرآن حق لا شك فيه ولا مراء، وليس عليك إلا اتباعه، وعلينا وحدنا نصرة المؤمنين وخذلان الكافرين، فالأمر كله للّه الذي أنزل القرآن كتابا محكما لا يأتيه الباطل أبدا، وإذا كان الأمر كذلك فاصبر لحكم ربك فإنه هو الحكم العدل، سيقضي بينك وبينهم بالقول الفصل، وما عليك شيء سوى الصبر، وإياك أن تطيع منهم آثما كثير الذنوب كعتبة بن ربيعة الذي كان يعرض على النبي أن يترك دينه نظير تزويجه بنتا جميلة من بناته، ولا تطع منهم كفورا قوى الشكيمة في الكفر شديد التعصب للجاهلية كأبى جهل والوليد بن المغيرة، الذي
يروى عنه أنه كان يقول للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ارجع عن هذا الأمر وسأعطيك مالا حتى ترضى، ولهذا قال له ربه : اصبر حتى يقضى اللّه أمرا كان مفعولا، ولا تطع منهم آثما أو كفورا.
ولهذا لا بد لمقابلة هذه الشد ائد من التذرع بسلاح الإيمان القوى : ألا وهو الذكر في الصباح والمساء والغدو والرواح فإنه الحصن الحصين، والسجود للّه في الليل وتسبيحه في وقت طويل منه.
وأما هؤلاء الكفار فدعهم لخالقهم فهو أعلم بهم وأدرى، إنهم يحبون العاجلة ويجرون وراء الدنيا وزينتها الفانية، ويتركون وراءهم يوما شديد الهول، يوما تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، فنحن خلقناهم، وأحكمنا خلقهم وتصويرهم. وإذا شئنا بدلنا بهم أمثالهم تبديلا، فربك على كل شيء قدير، وهذا تهديد لهم كبير.
إن هذه السورة وأمثالها - يا محمد - تذكرة وعظة فمن شاء اتعظ واتخذ إلى ربه سبيل الخير الموصلة للخير في الآخرة. ومن شاء لم يتعظ واتخذ طريق الضلال والإثم والفسوق والعصيان إلى ربه ؟ وهذا أسلوب تطمين وتهدئة لخاطر النبي الكريم.


الصفحة التالية
Icon