ج ٣، ص : ٨١٩
وقد رد اللّه عليهم دعواهم الباطلة في قولهم : أإذا كنا عظاما نخرة نبعث ؟ ببيان أن إعادة الحياة للبشر أمر سهل، وأن اللّه القادر على البدء قادر على الإعادة، وأنه خلق في الكون ما هو أشد وأكبر من البشر لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [سورة غافر آية ٥٧] فقال ما معناه :
لا تستبعدوا البعث بعد الفناء فإنما هي صيحة واحدة يكلف بها ملك ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ « ١ » فالمراد بالصيحة النفخة الثانية. فإذا أنتم بعدها جميعا لدينا محضرون تنتظرون ما يفعل بكم. وإذا أنتم أحياء على وجه الأرض بعد أن كنتم أمواتا.
وتلك قصة موسى مع فرعون الطاغية سيقت كالتسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتهديدا للمشركين، فليس هم أقوى وأشد من فرعون وقومه، فلما كفروا باللّه واليوم الآخر عاقبهم عقوبتين في الأولى والآخرة، فاحذروا يا آل مكة أن تكونوا مثلهم : هل أتاك حديث موسى ؟ وهذا أسلوب بديع في التشويق إلى استماع الحديث والحرص عليه كأنه أول نبأ عن موسى، هل أتاك حديثه إذ ناداه ربه - جل وعلا - وهو بالوادي المقدس المطهر - واد في أسفل جبل طور سيناء من جهة الشام - الذي قدسه اللّه مرة بعد مرة فقال له : اذهب إلى فرعون إنه طغى وجاوز الحد المعقول في تعذيب بنى إسرائيل وفي الكفر باللّه، فقل له مع الملاينة والملاطفة لتتم الحجة وينقطع العذر : هل لك إلى أن تطهر نفسك من أدرانها باتباع شرع اللّه الذي أوحى إلى ؟ وأهديك إلى ربك فتؤمن به وتعلم صفاته، فيترتب على ذلك أنك تخشاه، ولكن فرعون كذب ولم يؤمن وطلب آية على صدق موسى، فأراه الآية الكبرى التي هي انقلاب العصا حية، فكذب وعصى أيضا، ثم أدبر عن الحق وأعرض عن موسى وعن دعوته، وأخذ يسعى في الأرض بالفساد ومكايدته هو ومن معه، فجمع السحرة من جميع البلاد وقال لهم : أنا ربكم الأعلى فليس هناك سلطان بعد سلطاني، وظل فرعون سادرا في غلوائه لاهيا في عتوه وجبروته حتى تبع موسى وقومه إلى البحر الأحمر. وهم يخرجون من مصر وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ : آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ « ٢ » وهكذا حكم اللّه على فرعون

_
(١) - سورة الزمر آية ٦٨.
(٢) - سورة يونس آية ٩٠.


الصفحة التالية
Icon