ج ٣، ص : ٨٢٠
بالإغراق، وكان آية لمن بعده، وهو في الآخرة في جهنم وبئس القرار، فأخذه اللّه ونكل به نكال الآخرة والأولى، وكان عقابه نكالا له ولغيره، إن في ذلك لعبرة ولكن لمن يخشى، فاعتبروا يا أولى الأبصار!! وهذا فرعون مصر الجبار العنيد لم يعجز اللّه في شيء، فأين أنتم يا كفار مكة منه! وهكذا سنة اللّه في خلقه يكذبون الرسل، ولا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، فصبرا يا رسول اللّه. وبعد ذلك خاطب المشركين موبخا لهم ومبكتا على إنكارهم البعث بعد ما بين لهم سهولته على اللّه وأنها صيحة واحدة فإذا هم قيام أحياء يحاسبون، خاطبهم بقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء ؟ فكأنه يقول لهم : إنكم خلقتم من ماء مهين، وأنتم مع هذا ضعاف عاجزون لا تملكون لأنفسكم نفعا ولا ضررا. ولا موتا ولا حياة، وهذه هي السموات بديعة الخلق، حسنة الشكل، قوية التركيب، متينة البناء، محكمة لا عوج فيها ولا اضطراب رغم كثرة الدوران وسرعة السير، أليس عالم السماء وما فيه آية على قدرة اللّه، وعلى أن خلقه أعظم منكم خلقا ؟ ! فاللّه بنى السماء بناء محكما، ورفع سمكها إلى حيث شاء! فسواها حيث وضع كل جرم سماوي في وضعه لا يتعداه، وله فلك يسبح فيه لا يتخطاه، وبين كل الأجرام تجاذب وترابط بحيث لم يند عن المجموعة جرم، وإذا أراد اللّه شيئا انتهت الدنيا وبطل هذا النظام. وانظر إلى ذلك الكون العجيب وإلى وضعه الدقيق، فهذه الشمس والأرض ودوران كل في مداره بحكمة ودقة، كيف ينشأ عنهما الليل والنهار أَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها والأرض بعد ذلك دحاها وبسطها ومهدها للحياة بحيث يستطيع الحيوان السير عليها، والمعيشة فوقها. وقد أخرج منها ماءها ومرعاها، وقد أرسى عليها الجبال الرواسي الشامخات لئلا تميد وتضطرب، ولتكون مصدرا للمنافع، كل ذلك خلقه اللّه متعة لكم ومنفعة لكم ولأنعامكم.
وهذا وصف عام لبعض أهوال يوم القيامة لعلهم يعتبرون! فإذا وقعت الواقعة، وجاءت الداهية الكبرى التي يصغر أمامها كل حدث، وينسى صاحبها كل شيء إلا هي، تلك هي الطامة الكبرى تكون يوم القيامة، يوم يتذكر الإنسان أعماله حيث يراها مكتوبة أمامه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، يوم تبرز جهنم بصوتها المزعج، وهي تفور تكاد تميز من الغيظ.


الصفحة التالية
Icon