ج ٣، ص : ٨٢
هام بين قريظة من اليهود، وبين المشركين حتى انصدع الشمل وتفرق الجمع. وأرسل اللّه ريحا سموما كفأت قدورهم، وقلعت خيامهم، وأصابهم منها قر ومطر شديدان عقد القوم عزمهم على الرحيل فرجعوا غير آسفين.
وهذا أبو سفيان يقول : يا معشر قريش إنكم واللّه ما أصبحتم بدار مقام قد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنى مرتحل. وارتحل..
وطلع النهار وإذا المدينة خالية من معسكر الأحزاب وقد فك الحصار، ورجعت الطمأنينة إلى النفوس، ونجح المسلمون في الاختبار بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا.
أما موقف اليهود من المسلمين فهذا ملخصه :
لما سمعوا من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الوعد بكنوز كسرى وقيصر عند اشتداد المعركة قال طعمة بن أبيرق، ومعتب بن قشير وجماعة من اليهود والمنافقين : كيف يعدنا هذا، ولا يستطيع أحد منا أن يتبرز ؟ ! وانظر إلى فظاعتهم حيث يقولون : ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورا!! وفارقوا محمدا فإنه هالك، وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحدا فارجعوا إلى منازلكم، واهربوا من جند محمد، وما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان ومن معه ؟ ! وفي رواية أن الذي قال هذا هم اليهود، قالوه لزعيم المنافقين عبد اللّه بن أبىّ بن سلول.
ومنهم من استأذن من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قائلا : إن بيوتنا عرضة للهجوم عليها وسرقة ما فيها، وفي الواقع ليست بيوتهم عورة وإنما هم كاذبون، وما يريدون إلا فرارا من القتال، وهربا من الميدان.
ولو انتهكت حرمة المدينة من جوانبها ثم طلب إليهم الفتنة والقيام بطعن المسلمين من الخلف لفعلوا كل هذا، وما انتظروا إلا قليلا لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [سورة التوبة آية ٤٧].
ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل أنهم لا يولون الأدبار، ولا يفرون من القتال وأنهم سيقاتلون مع النبي بإخلاص وعاهدوا اللّه على ذلك، ولكنهم لا عهد لهم ولا ذمة، وكان عهد اللّه مسئولا..