ج ٣، ص : ٨٤٨
أصحاب الأخدود جماعة من الكفار كانوا في القديم، ويروى أنهم من أمراء اليمن أو زعماء اليهود، وقد غاظهم إيمان المؤمنين المعاصرين لهم، وشق عليهم ذلك، فانتقموا منهم انتقاما شديدا، وشقوا لهم أخدودا في الأرض، أضرموا فيه النيران ذات الوقود الشديد اللهب والدخان وألقوا فيها كل ما يضرمها ويؤججها ثم جاءوا بالمؤمنين وألقوهم في النار ذات الوقود!!
وقد كانوا قساة القلوب غلاظ الأكباد، فجلسوا يضحكون فرحين بإلقاء المؤمنين في النار، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من كبائر الإثم وفظائع الجرم شهود وحضور! وما فعل هؤلاء المؤمنون حتى يلقوا في النار ؟ لم يفعلوا شيئا أبدا، وما نقموا، ولا عابوا عليهم إلا أنهم آمنوا باللّه العزيز الحميد! يا سبحان اللّه ما كان سببا في السعادة والخير، يكون سببا في القتل والإحراق والتعذيب بالنيران! ولكن تلك طبيعة البشر قديما وحديثا، وهذا صراع الحق والباطل، وتلك هي البوتقة التي يصهر فيها الإيمان ويصفى.
هؤلاء المؤمنون آمنوا باللّه العزيز الذي لا يعجزه شيء، الحميد في السموات والأرض، وإن كفر به بعض خلقه، الذي له ملك السموات والأرض، وهو على كل شيء شهيد، فهل يترك المؤمنين نهبا للكفار والمشركين يفعلون معهم الأباطيل ويذيقونهم العذاب ألوانا ؟ ! لن يكون هذا أبدا.
إن الذين فتنوا المؤمنين بالتعذيب ثم لم يتوبوا - فإن من يفعل ذلك لن يتوب - فلهم عذاب جهنم، ولهم عذاب الحريق، واللّه من ورائهم محيط، وهو على كل شيء قدير، أما المؤمنون العاملون فلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، وذلك هو الفوز العظيم، ولا عجب في هذا كله فربك بطشه بالكفار شديد، وهو القادر على كل شيء الذي يبدئ الخلق ثم يعيد، وهو الغفور لمن تاب الودود لمن أطاع، صاحب الملك والسلطان بيده الأمر وهو الفعال لما يريد.
وهذه أمثلة أخرى تؤكد أن العاقبة للصابرين، وأن اللّه مع المؤمنين، فاحذروا يا آل مكة تلك العاقبة، وهذه النتيجة، واحذروا أيها الطغاة الظالمون نتيجة أعمالكم! هل بلغك قصص أولئك الجنود، أصحاب القوة والبأس الشديد، مثل فرعون وجنوده وقبيلة عاد وثمود، وكانوا أكثر منكم أموالا وأولادا، فلما كذبوا بالرسل