ج ٣، ص : ٨٦١
يقول : أنا ربكم الأعلى، وكان قومه قد برعوا في فن الهندسة والعمارة حتى بنوا الأهرام وأقاموا التماثيل والمسلات، وما أروع التعبير بقوله : ذِي الْأَوْتادِ فتلك أبنية ثابتة شامخة ثبوت الأوتاد في الأرض، وإذا نظرنا إلى الهرم وجدناه أشبه ما يكون بالوتد المقلوب، هؤلاء جميعا طغوا وبغوا وتجاوزوا الحد في البلاد، ونشأ عن ذلك أنهم أكثروا فيها الفساد، فأنزل اللّه عليهم من العقوبات والعذاب الدنيوي ما يشبه ضرب السياط المتتابعة المتتالية، وما أدق قوله تعالى : فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ حيث شبه اللّه ما أوقعه بهم من أنواع المهلكات وأصناف العذاب بضرب السياط الذي يكون في أشد العقوبات واللّه - جل جلاله - إنما يعذب الأمم جزاء لما كانوا يعملون إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فهو يجازى المسيء على إساءته، ولا يفوته واحد منهم، ولن يعجزه أحد في الأرض ولا في السماء، فاطمئنوا أيها المسلمون فغدا يلقى كل جزاءه، واحذروا أيها المشركون فهؤلاء كانوا أشد منكم قوة وأكثر حجما.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٥ الى ٣٠]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)