ج ٣، ص : ٨٧٤
المعنى :
أقسم الحق - تبارك وتعالى - بالضحى ساعة ارتفاع الشمس أو النهار، وساعة امتلاء الكون بالحياة والضوء والحرارة، وأقسم بالليل إذا سكن « ١ » وهدأ كل ما فيه بعد حركة واضطراب. أقسم بهذا وذاك على أنه ما تركك يا محمد وما كرهك، وكيف ذلك وأنت الحبيب المختار والرسول الأمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين.
ولقد اتصل بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم الأمين جبريل حينما بعث، وهذا الاتصال لأنه بين ملك وبشر كان شديدا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ لهذا فتر الوحى وانقطع لتطمئن نفس الرسول ويتجدد عزمه، وتقوى نفسه على ملاقاة جبريل، فيبحث عنه ويطلبه، فكانت فترة الوحى تأديبا وتطمينا وإصلاحا.
ولقد تاقت نفسه الشريفة إلى ملاقاة ربه عن طريق جبريل واشتاق إلى ذلك. ومع الشوق قلق وخوف. فأراد الحق أن يطمئن الرسول على ما يطلب بذكر ما صنعه معه.
وتبشيره بمستقبل زاهر، وأن هذه الفترة لم تكن عن ترك ولا بغض وأقسم له على ذلك.
ولعلك تسأل عن العلاقة بين القسم بالضحى والليل وبين المقسم عليه ؟ والجواب أن الوحى وانقطاعه للاستجمام والتقوية والاطمئنان كان أشبه بالضحى وما فيه من حركة وحياة ثم ما يعقبه من ليل يسكن فيه الكون ليستجم ويستعد لكفاح وحياة أخرى سعيدة.
والضحى والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما تركك عن غضب عليك. واعلم أن الآخرة - أى : الأيام المستقبلة الآتية - خير بلا شك من أيامك هذه، فثق أن دعوتك وحياتك تنتقل من طور إلى طور أحسن، وإن يكن في ذلك نوع من التعب والمشقة، ولسوف يعطيك ربك من توارد الوحى الذي تطلبه لإرشاد قومك، وهداية العالم ما به ترضى وتطمئن، ولا عجب في ذلك ولا غرابة، ألم يجدك « ٢ » يتيما فآواك
(١) عبر هنا بالماضي، وفي سورة الليل بالمضارع لأن الماضي يدل على اللزوم والمضارع بدل على التجدد وسكون الليل لازم، وغشيانه الوجود بالظلمة متجدد إذ قد يتخلله نور القمر.
(٢) الاستفهام هنا للتقرير.