ج ٣، ص : ٨٨٣
المعنى :
روى البخاري في صحيحه عن عائشة - رضى اللّه عنها - ما معناه قالت : أول ما بدئ به رسول اللّه من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتى حراء فيتحنث فيه - فيتعبد فيه - الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فاجأه الوحى، وهو في غار حراء فجأه الملك فيه. فقال : اقرأ. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما أنا بقارئ، قال : فأخذنى فغطني - ضمني إليه - حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال : اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال : اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم... إلخ الحديث.
وعلى ذلك فصدر هذه السورة أول ما نزل من القرآن، رحمة وهدى للناس، وأول خطاب وجه إلى رسول اللّه من قبل الحق - تبارك وتعالى - كان أمرا بالقراءة وحديثا عن القلم والعلم، أفلا يتدبر المسلمون هذا ويعملون على نشر العلم ويحملون لواءه ؟ ! فهذا نبيهم الأمى أمر بالقراءة وعمل على نشرها.
أما بقية السورة فالظاهر أنها نزلت بعد ذلك، وأول سورة نزلت كاملة أم الكتاب - الفاتحة - وخلاصة معنى الآيات : كن قارئا - يا محمد - بعد أن لم تكن كذلك، واتل ما أوحى إليك ولا تظن أن ذلك بعيد لأنك أمى لا تقرأ ولا تكتب، ولا تتوهمن أن ذلك محال، فاللّه الذي أبدع هذا الكون وخلق فسوى وقدر فهدى : وخلق الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات، والمسيطر عليها، والمتميز عنها بالعقل والتكليف وبعد النظر، خلقه من قطعة دم جامدة لا حس فيها ولا حركة ولا شعور، ثم بعد ذلك صار إنسانا كاملا في أحسن تقويم.
هو اللّه الذي يجعلك قادرا على القراءة ويهبك العلم بما لم تكن تعلم أنت ولا قومك منه شيئا، وهو القادر على أن ينزل عليك القرآن لتقرأه على الناس على مكث وما كنت تدرى قبله ما الكتاب ولا الإيمان!!