ج ٣، ص : ٨٨٤
اقرأ باسم ربك، أى : بقدرته - فالاسم كما مر علم على الذات وبه تعرف، واللّه يعرف بصفاته - الذي خلق كل مخلوق فسواه وعدله في أى صورة شاءها له - وقد خلق الإنسان من علق، اقرأ يا محمد، والحال أن ربك الأكرم من كل كريم. لأنه واهب الكرم والجود، وهو القادر على كل موجود، ولقد كرر الأمر بالقراءة لأنها تحصل للإنسان العادي بالتكرار. وتكون للمصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بتكرير الأمر، وإذا كان اللّه أكرم من كل كريم، أفيصعب عليه أن يهبك نعمة القراءة وحفظ القرآن وأنت لم تأخذ بأسبابها العادية، اقرأ إن شئت قوله تعالى : إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
[سورة القيامة آية ٦٧] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [سورة الأعلى آية ٦].
اقرأ وربك الأكرم الذي علم الناس كيف يتفاهمون بالقلم مع بعد المسافة، وطول الزمن، وهذا بيان لمظهر من مظاهر القدرة والعلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ نعم لقد أودع اللّه في الإنسان من الغرائز والتفكير ما جعله يبحث ويستقصى، ويجرب حتى وصل إلى معرفة أسرار الكون، وطبائع الأشياء فاستخدم كل هذا له وسخره لإرادته خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة ٢٩] وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة ٣١].
ترى أن اللّه أمر نبيه بالقراءة عامة وخاصة القرآن ثم بين له أن هذا أمر ممكن بالنسبة للّه الذي خلق الخلق، وخلق الإنسان من علق، وهو الكريم الذي لا يبخل وخاصة على رسوله، وهو الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم.
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى حقا إن الإنسان ليطغى ويتكبر ويتمادى في الإثم لأنه رأى نفسه قد استغنت عن الغير بكثرة المال والأولاد، وما كان له ذلك! إن إلى ربك وحده الرجوع يوم القيامة فسوف يحاسبه على ذلك حسابا شديدا.
لعلك تسأل عن تناسق الآيات ؟ فأقول لك : لما ذكر اللّه فيما ذكر بعض مظاهر القدرة والعلم وكمال النعم التي أنعم بها على الإنسان، ومقتضى ذلك ألا يكفر به أحد، ولكن الإنسان كفر وبغى فأراد اللّه أن يبين السبب فقال ما معناه : إنه حب الدنيا والغرور بها والحرص عليها حتى تشغله عن النظر في الآيات الكبرى! بعد أن أمر اللّه نبيه بأن يتلو ما أوحى إليه من الكتاب وأبان له سبب كفر الإنسان ضرب له مثلا برأس من رءوس الكفر قيل : هو أبو جهل، وإن كانت الآية عامة.